استهداف الشبان وتغيير عقيدتهم.. استراتيجية التمدد الإيراني في دير الزور

دير الزور- نورث برس

تفاجأ محمد الحمود، وهو اسم مستعار  لرب عائلة في ريف دير الزور، شرقي سوريا، قبل أشهر، بانتساب طفليه القاصرين إلى فصيل “الزينبيون” التابع لإيران، وأن المدرسة التي كانا يدرسان فيها تقوم بتعليم الطلاب المذهب الشيعي وتنسيبهم لفصائل إيرانية.

لكن “الحمود” وغيره من الآباء التزموا الصمت بعد محاولات بحث ومطالبة باستعادة أولادهم اليافعين، وبعد تعرضهم لتهديدات من المعممين الإيرانيين في المركز الثقافي الإيراني في مدينة الميادين والذي يشرف على مدارس هؤلاء الأطفال.

ويتوزع في ريف دير الزور الشرقي، غرب نهر الفرات، ما يقارب 30 مركزاً للانتساب للفصائل الإيرانية، غالبيتها في منازل المدنيين بعد أن استولت عليها فصائل تابعة وموالية لإيران بتهمة إقامة أصحابها في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية أو فصائل المعارضة.

وقال “الحمود”، في تسجيل صوتي لنورث برس، إنهم “يعلمون أولادي الهتافات والاهازيج الإيرانية، وتكفير أهل السنة وتعليمهم الطريقة المذهبية.”

وتسعى إيران لعسكرة البالغين والأطفال في فصائلها، ونشر ثقافة التشيع بوسائل وأساليب مختلفة، بهدف زيادة تغلغلها شرقي البلاد، بحسب شهادات سكان في دير الزور.

ويتكون لواء “الزينبيون” من مئات المقاتلين الباكستانيين الشيعة من أبناء غرب باكستان، خاصة من قبيلتي “توري” و”بنجش”، وكان الفصيل قد دخل في المعارك إلى جانب قوات الحكومة السورية مطلع عام 2015، بدعم من “الحرس الثوري” الإيراني.

تسجيل صوتي لوالد الطفلين

تغيير في الاستراتيجية

ومنذ نحو عامين ومع انحسار العمليات العسكرية على الأرض في سوريا، انتقل الوجود الإيراني من مرحلة القتال المباشر على الأرض والمشاركة في غالبية المعارك، إلى عمليات التجنيد واستقطاب عدد أكبر من المقاتلين والموالين في ما تبقى من سيطرة الحكومة في الجغرافيا السورية.

ومنذ العام 2019، تستهدف الفصائل الإيرانية في أرياف دير الزور الواقعة تحت سيطرتها سكان المنطقة عن طريق الترغيب بالمال أو المكافأة أو الابتزاز.

يقول صالح محمد، وهو اسم مستعار من سكان مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية، لنورث برس، إن هذه الفصائل بعد سيطرتها على المنطقة اعتمدت على “تنسيب أبناء المنطقة لصفوفها أو نشر التشيع ضمن مراكزها لقاء رواتب عالية.”

ويتراوح أعمار المنتسبين في مركز “الهاشميون”، الذي يعتبر من أبرز مراكز الانتساب في مدينة البوكمال، ما بين التاسعة والثامنة عشرة عاماً. بحسب “محمد”.

ويضيف أن المركز يحوي ما يقارب 400 منتسب يتم تعليمهم المذهب الشيعي واللغة الفارسية ومن ثم توظيفهم في دوائر حكومية، “لتشجيع السكان على الانتساب والتشيع.”

وتنتشر مراكز أخرى لنشر التشيع وتعليم اللغة الفارسية في عدة أحياء في المدينة، أبرزها حي الهجانة الذي تتواجد فيه ثلاثة مراكز .

ويشرف على مراكز التشيع والتنسيب للفصائل الإيرانية في البوكمال “الحاج راغب” من أبناء عشيرة المشاهدة، “وهو من أول المتشيعين في البلدة”، بحسب “محمد”.

إعفاء من الخدمة

وتعرض الفصائل الإيرانية الانتساب على أشخاص متخلفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية لدى الحكومة السورية، وتستخدم المال لترغيبهم.

وقال محمود الأحمد، وهو أحد المنتسبين إلى لواء الزينبيون من سكان حي هرابش داخل مدينة دير الزور، واشترط عدم نشر اسمه الحقيقي لأسباب أمنية، إنه انضم إلى الفصيل بمدينة السيدة زينب في العاصمة دمشق عام 2019، لرغبتي في إعفائي من الخدمة الإلزامية في صفوف قوات الحكومة السورية.

وأضاف لنورث برس: “بعد انضمامي بأشهر وتلقي دورات لتعليم المذهب الديني، تم نقلي الى دير الزور بصفة حارس على إحدى المزارات الشيعية.”

وبحسب الأحمد، يعتبر أسعد العيسى وعمه حازم العيسى، وهما منتسبان إلى الحرس الثوري الإيراني، من أبرز المسؤولين عن الترويج للفصائل الإيرانية في مدينة دير الزور.

وبدأت الفصائل التابعة لإيران تغلغلها في أرياف دير الزور منذ سيطرتها على المدينة وأريافها غرب نهر الفرات في العام 2017 بعد معارك مع مسلحين تابعين لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وعمدت الفصائل بعد تثبيت وجودها إلى استقطاب أبناء المنطقة، وذلك عبر تحويل غالبية المساجد إلى “حسينيات ومراكز تشيع”، بحسب سكان.

التسجيل الصوتي لمحمود الأحمد

استيلاء على منازل المدنيين

وتتمركز غالبية مراكز الانتساب في منازل مدنيين مستولى عليها، بينما توجد أربع مراكز لتعليم اللغة الفارسية بالقرب من الحديقة العامة وحي الزهراء والجمعيات والهجانة في مدينة البوكمال بريف دير الزور الشرقي.

وتوجد ستة مراكز رئيسة في مدينة الميادين، 40كم شرق دير الزور، أبرزها مسجد عمرو بن العاص الذي حولته الفصائل إلى حسينية، ومركز البويهيون، وفاطميون التي يشرف عليها كمسؤول عام المدعو  الحاج حسين، وهو يتحدر من مدينة كفر نبل بريف دلب، ويتبع له عدد من السماسرة من أبناء الميادين. بحسب “الأحمد.”

بينما يقع أكبر مركز لتعليم اللغة الفارسية والمذهب الشيعي في الحديقة المركزية داخل مدينة دير الزور “المركز الثقافي الإيراني، وله مكاتب فرعية في حي هرابش وحطلة ومراط والقصور في المدينة.

ويعتبر المركز الثقافي الإيراني من أكثر المراكز جذباً للسكان كونه يقدم نشاطات ومكافآت مالية بشكل دوري، بالإضافة الى تنسيقه المباشر مع بعض الجهات الأمنية التابعة للحكومة السورية.

ازدياد عدد المنتسبين

يبلغ عدد المنتسبين والمتدربين ضمن مراكز مدينة البو كمال وفق إحصائية أجريت نهاية العام 2020، ثلاثة آلاف و150 منتسباً ما بين متدربين ومتخرجين يعمل معظمهم ضمن فصيل “الزينبيون” التابع للحرس الثوري الإيراني، بحسب مصدر عسكري في فصيل الزينبيون.

بينما يبلغ عدد المنتسبين في الميادين ما يقارب ثمانية آلاف شخص، “إلا ان الرقم يزداد بشكل يومي حيث تشهد المراكز إقبالاً كبيراً، بحسب مصدر عسكري من فصيل هاشميون.

وأضاف المصدر نفسه أن الرواتب تختلف ما بين فصيل وآخر وعلى اختلاف العمر، إذ يقبض المنتسبون لتعلم اللغة الفارسية والمذهب الشيعي ما يقارب 150 ألف ليرة سورية شهرياً.

أما المنتسبون للقتال ضمن الفصائل فتصل رواتبهم إلى 200 دولار أميركي، بحسب منتسبين.

“جنسيات مختلفة”

وقال جمعة عبدالكريم، وهو من سكان بلدة حطلة، 5 كم شرق دير الزور، إن لواء “الشيخ” الذي يضم عناصر من دير الزور بالإضافة إلى جنسيات مختلفة باكستانية وعراقية، يشرف على حماية مراكز التشيع والانتساب في البلدة.

وأضاف أنهم يستقطبون الأطفال وحتى الكبار إلى المراكز وإعطائهم دورات لتعليم اللغة الفارسية مثل “فقه مذهب آل البيت”، وذلك تحت إشراف معممين من الجنسية الإيرانية.

وتحاول هذه المراكز كسب السكان كحاضنة شعبية مستغلين الوضع المعيشي المتدهور في البلدة عبر توزيع سلال غذائية وإقامة نشاطات ومسابقات للأطفال وتقديم مكافآت مالية لهم.

إعداد: محمد علي – تحرير: زانا العلي