ضرائب باهظة تتسبب بهجرة الصناعة الحلبية ومصر هي الوجهة الجديدة

حلب – نورث برس

يجهّز عبد القادر العجان (45 عاماُ)، وهو صناعي في حلب، شمالي سوريا، أرواقه الثبوتية بقصد السفر إلى مصر، بعد أن أغلق ورشته الخاصة بتصنيع الألبسة الجاهزة في منطقة الليرمون الصناعية في المدينة التي يواجه صناعيوها تحديات لسير أعمالهم.

يعاني صناعيون في حلب من انخفاض قيمة العملة المحلية، وارتفاع أسعار المواد الأولية، إلى جانب ما أسموه بعراقيل تضعها الحكومة أمام حركتي استيراد وتصدير المنتجات، ما دفع بكثيرين منهم إلى إغلاق منشآتهم.

ولم يحتمل “العجان” الضريبة المرتفعة التي فرضتها الحكومة مؤخراً على ورشته، والتي بلغت 50 مليون ليرة كضريبة سنوية، فقرر إغلاقها وبيع المعدات وصرف العمال.

وجاء قراره هذا بعد عامين من العمل في “ظروف صعبة” وتحمل جهود مضنية ومعاناة بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار وغياب مستلزمات الإنتاج الصناعي الأساسية من كهرباء ووقود.

“وصار من المستحيل أن يستمر العمل وسط هذه الظروف”، بحسب “العجان”.

إغلاق متزايد

وقبل اندلاع الأحداث في سوريا، كان حي الليرمون بحلب وحده يضم حوالي 200 منشأة صناعية، لكن عدد تلك المنشآت  حالياً لا يتعدى 25 منشأة، بحسب صناعيين.

وخلال عام 2020، انخفض عدد المنشآت المنتجة في المدن الصناعية السوري بنسبة16  %، بحسب بيانات للحكومة السورية، بينما يقول صناعيون إن النسبة أعلى بكثير.

ويقول هؤلاء إن هذه النسبة ترتفع باستمرار في ظل الظروف الراهنة، ووسط غياب إجراءات تشجيعية من قبل الحكومة لأصحاب المشاريع، بل إن حجم الضرائب الباهظة التي فرضتها الحكومة على أصحاب المنشآت زاد من أعبائهم.

 وتسبب إغلاق المنشآت في حلب ومدن سورية أخرى، بسبب الحرب والأزمات المرافقة لها، بخسارة آلاف العمال لوظائفهم.

يقول “العجان” إنه يشعر بالحزن حيال أكثر من 40 عاملاً وعاملة في ورشته الذين فقدوا دخلهم، “لكن لم يعد لدي خيار.”

وفضل “العجان” الهجرة إلى مصر لتطوير عمله وتحقيق مكاسب جيدة على البقاء و”تحمل الخسائر المتلاحقة.”

ضرائب وغرامات

وكانت الحكومة السورية قد شكلت لجنة تحقيق وتكليف الضرائب تضم أعضاء من مجلس محافظة حلب ومن البلدية إضافة لوزارة المالية في حلب، مهمتها ملاحقة التهرب الضريبي.

وبحسب تصريحات مسؤولين في الحكومة، فإن السبب وراء لجوئها لإجراءاتها الجديدة هي أن الكثير من الصناعيين كانوا يلجؤون للتهرب الضريبي عبر نشر أرقام غير حقيقية للإنتاج والتصدير والأرباح.

 لكن مالكي منشآت صناعية يرون أن عمل تلك اللجنة سوف يقضي على وجود الصناعة الحلبية ويشبهون عملها  بـ”فرقة إعدام”، على حد تعبير صاحب منشأة صناعية في حلب.

ويشتكي محمد الملاح (52 عاماً)، وهو صاحب منشاة لتصنيع الخيط في مدينة الشيخ نجار الصناعية، من الضرائب الباهظة التي فرضتها اللجنة على المشاريع الصناعية في حلب.

 وقال إن اللجنة “تطلق رصاصة على الصناعة الحلبية.”

وأضاف أن المبالغ التي تفرضها اللجنة تكون بناءً على تصوراتها عن حجم العمل والأرباح التي تحققها المنشأة، وليس عبر تتبع واقع عملها في هذه الظروف.

“وهناك صناعيين فرضت عليهم مبالغ وصلت لثلاثة مليارات ليرة بحجة غياب شهادة المنشأ للمواد الأولية المستوردة”، بحسب “الملاح”.

وذكر الصناعي أن كل معمل زارته اللجنة فرضت عليه مبالغ ضخمة وغير مسبوقة، “فقد تم فرض ضريبة قيمتها 100مليون ليرة على منشأتي.”

ويطلق الملاح تسمية “إتاوات” على الضرائب والغرامات التي تفرضها اللجنة، والتي يراها مجحفة بحق صناعيين أرادوا لمدينتهم أن تبقى عاصمة البلاد الاقتصادية، “نعم اللجان لا تجمع الضرائب ولا تطبق القانون بل تفرض الإتاوات.”

تسهيلات في مصر

وباتت مصر وجهة الصناعيين الحلبيين المفضلة نظراً للتسهيلات الكبيرة والمشجعة التي قدمتها الحكومة المصرية لاستقطاب المستثمرين.

ففي مقابل الصعوبات التي تواجه الصناعيين في حلب، تقدم الحكومة المصرية للمستثمرين الكثير من التسهيلات تبدأ بتخفيض قيمة الفيزا من ثلاثة آلاف دولار الى 900 دولار.

بالإضافة لإمكانية حصول المستثمر على أرض لبناء منشأته، وقروض من البنك في حال كان بحاجة لسيولة إضافية، إلى جانب تسهيل حركة الاستيراد والتصدير، وتسهيلات أخرى.

ويرى زياد القاضي (54 عاماً)، وهو صاحب معمل لصناعة ألمنيوم لأثاث المنازل في حي الكلاسة بحلب، أن “الصناعة الحلبية تحتضر بسبب التقصير الحكومي.”

إذ لا تقتصر الهجرة لمصر على أصحاب المعامل والتجار، “بل هي متاحة حتى للعمال ممن لديهم خبرات مهنية خاصة في مجال النسيج.”

وقال “القاضي”: “للأسف فإن كل هذا يحصل وحكومتنا لم تجد حلولاً لهذه الهجرة التي إذا استمرت ستقضي على حلب كعاصمة صناعية في سوريا.”

لكن “ما يهم الحكومة  من الصناعة الحلبية الآن هو جني الأموال دون تقديم أي تسهيلات أو مستلزمات إنتاج قد تساعد في النهوض بالحركة الصناعية.” بحسب “القاضي”

إعداد: نجم الصالح- تحرير: حسن عبدالله