مؤتمرات الإصلاح الإداري في حكومة دمشق.. تكاليف مهدورة ووقت ضائع

دمشق ـ نورث برس

يسخر سامر الزين من كل مشاريع الإصلاح الإداري التي تقوم فيها الحكومة السورية، عندما يتذكر قراراه بالعودة إلى بلاده للعمل فيها، مستغنياً عن الدراهم التي تعادل الملايين هنا.

ولم تكن المشكلة عند الزين (42 عاماً) الذي يقيم في دمشق بعد أن عاد من الإمارات، في فرق الدخل، بل كيف ظل يبحث عن عمل إعلامي لأكثر من ثمانِ سنوات.

وقال إنه عندما حصل على فرصة كان عليه أن يخضع لأوامر إدارات ليس لديها خبرة عملية أو نظرية في العمل الإعلامي، أو يعود للاصطفاف مجدداً ضمن طوابير العاطلين عن عمل.

ومن تجربته الشخصية التي تتكرر دائماً وكثيراً في سوريا، “يمكن تخيل الهوة الكبيرة بين ما يطرح من شعارات عن الإصلاح الإداري، وبين ما هو مطبق على أرض الواقع.” 

وتصبح أسئلة كهذه تمثل جوهر الفكرة: “هل يحتاج الإصلاح الإداري إلى كل تلك المؤتمرات والاجتماعات والتكاليف؟. هل يمكن للمؤتمرات أن تحقق أي تقدم إذا كان مستوى الدخل في سوريا يقل بأكثر من 3 آلاف ضعف عن الحاجة؟.”

ومن الأسئلة أيضاً، “إذا كانت المناصب تمنح على أسس أقلها اعتباراً، هو الخبرات والكفاءات، بينما العلاقات الأمنية والمحسوبيات والرشى هي الحاسم الوحيد للحصول على هذا المنصب أو ذاك؟.”

وقبل أيام، ذكر خبير إداري في دمشق، لنورث برس، أن جوهر فكرة الإصلاح الإداري قائمة على ثلاثة أقسام، “أولاً: وضع هيكليات إدارية للمؤسسات الحكومية، ثانياً: وضع توصيف وظيفي للعاملين، ثالثاً: تحديث الإجراءات الإدارية.”

وأشار إلى أن مؤتمر الإصلاح الإداري الذي عقدته الحكومة، “لا يمكن أن يقدم أي حل لمشكلات فساد وترهل المؤسسات السورية، ما دام البعثيون والمتنفذون يتحكمون بمؤسسات الدولة.”

وأضاف: “فشل المشروع يلاحظ من عدة زوايا أساسية، سواء من حيث بطء الخطوات التي ينجزها منفذو المشروع، على سبيل المثال التركز على إنجاز تدريب الكوادر في عام 2020 على دورات (إعداد مدرب) لبعض موظفي الجهات العامة.”

ويقول متابعون لموضوع الإصلاح الإداري إن أكثر من 10 سنوات مرت على رفع شعار الإصلاح الإداري تخللها الكثير من المؤتمرات والندوات والمحاضرات.

والمفارقة أن تفاصيل الكثير من هذه النشاطات هي “أحد مظاهر الفساد”، كما وصفها البعض، لأن تكاليفها بعشرات الملايين، يشارك فيها الكثير من “الفاسدين” ونتائجها لا تتعدى الصفر.

تفاصيله ومراحله

مرَّ شعار الإصلاح الإداري بمراحل مختلفة، منذ العام 2000، ثم بدأ يطرح كخطة عمل في الشهر السادس من عام 2017، وأصبح الحديث عنه كمشروع وصف بـ”الوطني الذي يستند إلى تطلعات الرئيس السوري بشار الأسد لتطوير الأداء الإداري.”

وأعيد إحياء  وزارة التنمية الإدارية، بعدما كانت وزارة غير سيادية من 2000  إلى 2002، ثم جمدت من ذاك التاريخ ولغاية 2014، حيث صدر مرسوم في الشهر التاسع من عام  2014 بإحداث وزارة التنمية الإدارية.

ويقول عبد الرحمن تيشوري وهو خبير إداري، في إحدى دراساته المنشورة، إن إحداث الوزارة كان بمثابة الدعم الكبير لموضوع التنمية الإدارية.

وأقامت وزارة التنمية الإدارية الكثير من الندوات والدورات والمحاضرات التي تتحدث عن الإصلاح الإداري، وبدأت تتدخل بعمل كل الوزارات ووضعت شروطاً للتعين.

ولكن على أرض الواقع “لم يتغير في الأمر شيء”، بل كانت الكثير من القرارات محط استياء وانتقاد كتحديد عمر منصب معاون الوزير، بحسب الإداري.

وآخر أنشطة الوزارة إقامة  مؤتمر مدته 10 أيام في قصر المؤتمرات بدمشق وما زال مستمراً حتى الآن (من 20-30/6/2021).

وفي العشرين من هذا الشهر، انطلقت أعمال مؤتمر الإصلاح الإداري الذي تعقده وزارة التنمية الإدارية تحت شعار “إدارة فعالة نحو مؤسسات ديناميكية” وذلك في قصر المؤتمرات بدمشق ويستمر حتى الثلاثين من الشهر الجاري.

وتذهب الكثير من مؤسسات الدولة وطواقمها وسياراتها، كل يوم لقضاء ساعات في متابعة تفاصيل المؤتمر، وهذا ما رآه البعض “هدراً للوقت والمحروقات وتكاليف وجبات.”

وأشار مختصون في علم الإدارة، إلى أن كل ما سبق للحديث عن الإصلاح الإداري والتفصيل في آليات وهيكليات، لا يحتاج تطبيقها إلى مؤتمرات.

وأضافوا: “بل إن الأمر يبدأ في الطريق الصحيح عندما تتوافر النية الحقيقة للإصلاح، وهذا يعني البدء كحد أدنى من مقولة، وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وليس تبعاً للمحسوبيات والولاءات ومقدار الرشى التي تدفع!.”

“فقاعة”

يقول أيمن ملا وهو مهندس في مؤسسة حكومية في اللاذقية، لنورث برس، إن أول مؤتمر حضره في دمشق عن الإصلاح الإداري كان في عام 2002.

“وتضمن الطرح يومها، أن سوريا ستصبح يابان الشرق بعد 6 سنوات.”

ويضيف ساخراً: “القصة ليست هنا، القصة بعد نهاية المؤتمر ذهب المسؤولون وتغدوا السمك وتركوا بقيتنا جائعين!.”

في حين وصف آخر المؤتمر بـ”الفقاعة” متحدياً إمكانية أي جهة في “تعيين مدير رشيق وخبير ومتخصص في أي مجال إذا لم يكن مدعوماً.”

وأشار إلى ان هنالك “آلاف القصص لشخصيات تتميز بالخبرة والنزاهة تم تهميشها حتى غادرت البلاد، وهنالك ملايين الدولارات صرفت على موفدين لم يتم استثمارهم عندما عادوا إلى بلادهم، فكان خيارهم الرحيل أيضاً.”

عقلية قديمة

يقول أحد المشاركين في هذا المؤتمر من القطاع الخاص، لنورث برس، إن المشاركين في هذا المؤتمر يتميزون بخبراتهم في استخدام الكمبيوترات فقط.

ويضيف أنه لا يمكن بناء دولة حديثة بإدارات ومسؤولين ومديرين بـ”عقلية قديمة.”

وفي قراءة، لبسام الجابر وهو اسم مستعار لخبير إداري من حلب، عن مؤتمر الإصلاح الإداري وعمل الوزارة، تساءل “الجابر” فيما إذا كان الإصلاح يحتاج لمؤتمرات؟ وأنه ما زال يتم تداول المشروع كمصطلح وليس خطوات.

وقال إنه بعد مرور أربع سنوات على انطلاق مشروع الإصلاح الإداري، “نجد أنفسنا من جديد في مرحلة إطلاق المشروع بمؤتمر سيستمر لمدة عشرة أيام.”

ورأى أن الخطوة الأهم التي يجب دراستها بعناية، هي “وضع أسس لتطوير العمل الإداري عبر نظام المرغبات والمحفزات، وإزاحة كافة الأسباب التي تؤدي للخلل والفساد الإداري بكافة أشكاله.”

زيادة الأجور

وأشار “الجابر” إلى أن أهم  الأسباب التي ينبغي إعادة النظر فيها هو موضوع الرواتب والأجور التي تعد سبباً رئيسياً لحالات الخلل الإداري مع غياب المحاسبة وتنامي المحسوبيات.

وقال صاحب إحدى الفعاليات الاقتصادية المشاركة في المؤتمر لنورث برس، إن أي أمر يحتاج إلى المحفزات مهما كان، فمحفز العمل التجاري أو الصناعي والاستثمار المالي هو الربح، ومحفز الزواج هو الحياة المستقرة، ومحفز الدراسة هو راتب أعلى ومنصب أفضل، ومحفز العبادة هو الجنة، ومحفز العمل هو الراتب والتقدم والترفيعات.

وأضاف: “لا شك نحن بحاجة إلى إصلاح إداري عالي جداً، ولكن أي مؤتمر لا يدرس أسباب الجنوح (كما يقال)، لن يؤدي الغاية منه، وأسباب الجنوح هو ضعف الراتب وعدم القدرة على تأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة.”

إعداد: ريتا علي ـ تحرير: محمد القاضي