باصات النقل المتهالكة تحصد أرواح سوريين يومياً

دمشق ـ نورث برس

بفاصل يومين فقط، وقع حادثا سير بآليات تقل طلاباً جامعيين، في مناطق سيطرة الحكومة السورية، ذهب ضحيتهما الكثير من القتلى والجرحى. هذا الخبر لا يغيب طويلاً، إذ تكاد أخبار الموت بالحوادث تكون شبه يومية، وتحصد الأرواح كما كورونا والحرب.

كل العوامل المسببة للموت بحوادث السير متوافرة وبكثرة في سوريا: وقد يكون في مقدمتها تهالك وسائل النقل، وعدم إجراء الفحص الدوري الدقيق للآليات.

وبعد ارتفاع أسعار قطع الصيانة لتلك الآليات، أصبح الكثير من أصحابها يغضون الطرف عن الأعطال الموجودة في السيارة إلى أن تحصل الكوارث.

وفي السابع عشر من هذا الشهر، قتل أربعة طلاب جامعيين وأصيب 10 آخرون إثر انقلاب حافلة كانت تقلهم على طريق جبلة في محافظة اللاذقية، إذ انقطعت المكابح في نقطة وعرة وقاسية.

وانقلبت الحافلة التي كانت متجهة من اللاذقية إلى منطقة الغاب في حماة ومعظم ركابها من طلاب جامعة “تشرين”، على أوتوستراد بيت ياشوط ـ نهر البارد على منعطف الطريق عند قرية تمازة التابعة لمحافظة حماة.

وقال أحد الناجين من الحادث الذي نشر ما حصل معهم على صفحته، إن السائق حاول ضبط السيارة على “مكبح اليد” لكن الفرامل لم تستجب في منطقة شديدة الانحدار.

وقبل أن تصل الحافلة بسرعتها “الجنونية” إلى منعطف عند قرية” بتمازة”  في تلك المنطقة انفجر الدولاب وتحول السرفيس إلى قطع وكأنه مصنع من الكرتون، بحسب الشاب.

ويقول هادي علي (45 عاماً) وهو اسم مستعار لمهندس ميكانيك من قسم المرور في حماة، إن التدقيق في هذا الحادث يتبين أن مشاكل هذه الآلية التي تحتاج إلى حلول إسعافية هي  في المكابح والعجلات.

وأضاف، أن هذا يعرفه أي سائق لأن هذا النوع من الأعطال يعطي مؤشرات ولا يحدث فجأة.

ويعتبر العطلان السابقان “الأخطر” للسير في أي مركبة، “فكيف الحال عندما تكون الطريق طويل وجبلية شديدة الانحدار أحياناً والأكواع أحياناً أخرى؟”، بحسب “علي”.

وفي أقل من أسبوع، جرح 19 طالباً من جامعة خاصة في سوريا، إثر حادث سير على طريق حماة ـ حمص.

على ظهر الباص

أزمة المواصلات الخانقة تجعل من الاهتمام لحالة الحافلة نوع من الرفاهية، فبعد ساعات الانتظار الطويلة للوصول إلى الجهة المبتغاة يمكن للناس أن تركب ” التركتورات”، بحسب سكان.

ولن يحظى حال وسيلة النقل بأي اهتمام من المنتظرين حتى لو كان هنالك احتمال لحدوث كارثة، كما تقول عبير أحمد (37 عاماً) وهو اسم مستعار لموظفة حكومية.

وتذهب “أحمد” يومياً من قريتها النائية في ريف جبلة إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية في اللاذقية، ويكون عليها استخدام ثلاثة وسائط نقل، وهي على عجلة من أمرها لكي لا تتأخر عن الدوام في الصباح.

كما يتوجب عليها العودة في أقصى سرعة بعد انتهاء الدوام، للاهتمام بأمور منزلها وأولادها الصغار.

ومع أزمة المواصلات، كما تقول، تكون على استعداد للركوب على ظهر الحافلة، خاصة بعد ساعات الانتظار الطويلة في الكراجات في حر الصيف، وبرد ومطر الشتاء.

انتهى عمرها

تحدث موظف في إحدى بلديات الغاب، في حماة، تم التواصل معه عبر تطبيق واتس آب، عن الحادث الذي وقع هذا الأسبوع في منطقته.

وقال الموظف الذي رفض ذكر اسمه، إن “عمر السيارات المتهالك هو السبب الرئيسي لهذا الحادث ولغالبية الحوادث التي تحصل.”

وأضاف لنورث برس: “أغلب سيارات النقل الجماعي لا يقل عمرها عن 30 عاماً، وهذا يعني أنها تهالكت بينما يجب أن لا يزيد عمرها عن 10 سنوات.”

ويمكن التغاضي عن تهالك السيارات الخاصة، فلصاحبها حرية الخيار بين  أن يحمي نفسه أو يغامر فيها، “أما في النقل العام فيجب عدم التهاون في أمر كهذا”، بحسب المصدر.

وأعرب عن اعتقاده في أن الحل لتجنب الحوادث المرورية، يكمن في أن تقوم الحكومة بشراء تلك الآليات من أصحابها، بحيث يستخدمون المبالغ كدفعة أولى لشراء فانات حديثة، ومن ثم يقسطون سعرها المتبقي من عملها.

ويمكن إعادة تخصيص هذه المركبات شبه المنسقة للنقل الداخلي بين المدن حيث السرعات والخطورة أقل، بحسب الموظف.

ويرى أن عدد الركاب الزائد في الحافة “يزيد من مخاطر النقل في هذه السيارات المتهالكة.”

ويشير إلى أنه يوضع في المقاعد المخصصة لشخصين أربعة أشخاص نتيجة أزمة النقل الناتجة عن نقص في عدد المركبات من جهة ونقص المحروقات من جهة أخرى.

ويعيد بشير سلو (43 عاماً) وهو اسم مستعار لعضو في الجمعية السورية للوقاية من حوادث السير، أسباب كثرة الحوادث إلى “عدم الاهتمام بموضوع الفحص التقني والدوري للسيارات.”

ويشير إلى أن الآليات غير المراقبة جيداً “تستمر في العمل دون الاهتمام بإصلاح أعطالها، وبعضهم يحملّون الركاب ويسيرون بسرعات كبيرة للوصول في وقت أسرع، من أجل العودة ثانية، وتأمين نقلة ركاب ثانية.”

ويعتقد “سلو” أن الفحص الدوري لمكانيك السيارات يجنب الكثير من الحوادث، خاصة أن السرافيس التي دخلت البلد في مطلع التسعينات انتهى عمرها إضافة لنوعيتها السيئة فهي أشبه بـ”الكرتون”.

أسباب أخرى

يقول شرطي مرور يعمل في نقطة مرورية على أوتوستراد دمشق ـ حمص، إن عدم تقيد السائقين بتعليمات شرطة المرور من أهم أسباب حصول الحوادث، وعدم التقيد بمنع استخدام الجوالات أثناء القيادة.

وهنالك من يرى أن من بين أسباب الحوادث في سوريا هو الفساد الذي يسهل منح رخص قيادة السيارات وخاصة العامة لأي شخص بدون التأكد من مهاراته ومعلوماته في قيادة المركبات.

ويقول بسام بسمة (40 عاماً) وهو سائق سرفيس على أحد خطوط ريف دمشق، إنه “يمكن لأي شخص يدفع المال أن يحصل على شهادة سوق عمومية رغم خطورة هذا الموضوع، ويتدرب صاحبها بأرواح السكان.”

ونشر أحمد محمد كوسا وهو رئيس الجمعية السورية للوقاية من حوادث الطرق، فرع حمص، على صفحته في فيس بوك، استغرابه من طريقة التعامل الرسمية بعد وقوع حوادث كارثية.

وتساءل “كوسا” وهو أيضاً خبير محلف بحوادث السير والميكانيك لدى المحاكم العدلية في الجمعية: “لماذا لا يتم التحقيق في الأسباب الحقيقية للحوادث لتجنب حصولها ثانية؟.”

وذكر بأنه تمت المطالبة بأكثر من موقع لتأليف لجنة تحقيق مرورية “ودعمها بكل الأساليب المعنوية والمادية للبدء بخطوة صحيحة في هذا الاتجاه وإلا (…).”

طرق رديئة

لا تنحصر مسببات الحوادث بما سبق ذكره فقط، بل يضاف إلى ذلك تدهور حالة الطرق العامة وعدم صيانتها بشكل دائم، خاصة خلال سنوات الحرب.

وفي سنوات الحرب، تآكلت الطرق بسبب المعدات الحربية الثقيلة التي تمر عليها، وعدم صيانتها كما يجب.

وكانت الجمعية السورية للوقاية من حوادث السير على الطرق، قد ذكرت على صفحتها الكثير من الأسباب التي تتسبب في زيادة حوادث السير، كعدم إضاءة معظم الطرق ليلاً، وغياب الشاخصات التحذيرية على بعض الطرق العامة وعدم وجود خطوط بيضاء أو صفراء متقطعة أو مستمرة وجهل السائقين بها.

وقد وصف رئيس الجمعية السورية للوقاية من حوادث الطرق ستالين كغدو، في تصريحاته لوسائل إعلام محلية أن الطرق في سوريا أقل من الوسط.

وأشار إلى أنها تفتقد إلى “أكتاف” أمان على جانبي الطريق لحماية المركبات، إضافة إلى غياب المنصفات وتخطيط الطريق والحارات والعاكسات والشاخصات وأيضاً نسب الميلان المرتفعة، إضافة لوجود طرق رديئة لم تنفذ من الناحية الفنية بالشكل المطلوب.

وهنالك الكثير من الطرق تم التعارف على تسميتها بـ”طرق الموت” في أكثر من محافظة، وسميت كذلك بسبب أعداد الضحايا الذين يقضون عليها.

ومن الطرق: “طريق بانياس- القدموس كما الحال في طريق دير الزور- البوكمال، وحلب- خناصر، أو اللاذقية- الغاب، وجبلة ـ اللاذقية”، وغيرها.

أرقام

قال مأمون عموري وهو مدير إدارة المرور في وزارة الداخلية، في إحدى تصريحاته لوسائل إعلام محلية، إن عدد الحوادث التي تم تسجيلها خلال العام الماضي 2020، بلغت 4700 حادث سير.

وأضاف: “وبلغ عدد الجرحى بلغ أكثر من 2400 جريحاً، ووصلت الأضرار الجسدية إلى أكثر من 1900 حالة بسبب هذه الحوادث.”

وقال أيضاً: “في حين بلغ عدد الحوادث للعام الذي سبقه، 3949 حادثاً مرورياً، وبلغ عدد الجرحى 1613 جريحاً على حين بلغ عدد الوفيات 230 متوفى.”

إعداد: ريتا علي ـ تحرير: محمد القاضي