تأثيرات ومشاهد غير مألوفة في الرقة جراء قطع تركيا لمياه الفرات
الرقة – نورث برس
يقطع علي الخالدي (٤٠ عاماً)، وهو مربي مواش في الرقة، شمالي سوريا، هذه الأيام، نهر الفرات بأغنامه للوصول سيراً للمرعى في الجزر النهرية وسط النهر، وذلك بعد تخفيض تركيا لكميات تدفقه نحو الأراضي السورية، وسط تحذيرات صحية وزراعية وبيئية وسخط شعبي بين السكان.
ومنذ شباط/فبراير الماضي، تواصل الحكومة التركية حبس تدفق مياه نهر الفرات تجاه الأراضي السورية والعراقية وسط تحذيرات إقليمية وعالمية من حدوث كارثة صحية وزراعية في المنطقة.
ووقعت الحكومتين السورية والتركية في العام 1987 اتفاقية تنص على تقسيم مياه نهر الفرات بين دولة المنبع تركيا والدول التي يمر بها النهر سوريا والعراق.
أغنام وسط المياه
ويبدو مشهد عبور قطيع الأغنام لنهر الفرات غير مألوفاً لغالبية من جاور النهر، لكن هذا ما وصلت إليه حال النهر بعد أن تحول مجراه في بعض الأماكن لجداول ضيقة نتيجة قلة تدفق مياهه.
وخلال الفترة الماضية، ازدادت تأثيرات انخفاض نهر الفرات في الرقة وريفها، بعد انخفاض قياسي في نسبة الوارد المائي الذي وصل بعض الأيام حتى ١٨١ م٣ بالثانية، بحسب إدارة الطاقة في الإدارة الذاتية.
وقال “الخالدي” إنه لم يصل سابقاً إلى الجزر النهرية التي يرعى فيها أغنامه الآن، ورغم استفادته من الوصول للمساحات العشبية وسط المياه، إلا أنه يعتبر منظر النهر بهذه الحال “يبعث الأسى في النفس.”
وأضاف أن عبور الأغنام للنهر بات شيئاً مكرراً على الرغم من غرابته، إذ كان من المستحيل رؤية هذا المشهد في السنوات السابقة.
وعادة يصل عمق مياه نهر الفرات، جنوب الرقة، إلى أكثر من ثلاثين متراً في بعض الأماكن قبل حبس تركيا لمياه النهر حيث كان يصعب قطع المياه إلا عبر مراكب نهرية.
مخاطر السباحة والشرب
وقرب الجسر القديم جنوب الرقة، بات محمد عبود (33 عاماً)، وشباب آخرون في الرقة يخشون القفز من أعلى الجسر (حوالي عشرة أمتار) كعادتهم حين يأتون للسباحة في النهر كل أسبوع تقريباً خلال الصيف.
يقول “عبود” إن تحدي القفز كان يجري دون الخشية من مخاطر الارتطام بالقاع أو مواد صلبة غارقة تحت المياه، لكنهم الآن يحذرون بعضهم بسبب ضحالة المياه.
ويضيف أن مظهر المياه المنحسرة لم يعد يغري بالسباحة واللهو والأنشطة، “مياه تقطعها الأغنام سيراً فكيف تشتهي السباحة فيها”.
هذا الواقع، نشر مخاوف صحية أيضاً على السباحين والسكان، إذ تعتمد مدن وبلدات حوض الفرات في سوريا على مياه النهر في تأمين مياه الشرب من خلال وجود محطات لضخ المياه على أطراف النهر.
ولاحظ سكان الرقة ومناطق أخرى تعتمد على مياه نهر الفرات تغير لون المياه، وزيادة نسبة الشوائب التي تعكر صفاء مياه الشرب.
وقال صالح اليوسف (٣٥ عاماً)، وهو أب لثلاثة أطفال، إن أحد ابنائه أصيب، قبل أسبوع، بالتهاب أمعاء رافقه إسهال شديد استدعى مكوث ابنه لعدة أيام في مشفى الفرات في الرقة بعد أن ساءت حالته الصحية.
وأضاف أن طبيب الأطفال الذي أشرف على علاج ابنه قال له إن السبب الرئيس وراء تدهور حالته الصحية هو مياه الشرب غير الآمنة، “ونصحني بغلي الماء أو استعمال المياه المعدنية المعلبة.”
تحذيرات لا تجد أذاناً
وعلى الرغم من إطلاق عدة تحذيرات رسمية وشعبية من مناطق شمال وشرق سوريا حول حجم الكارثة الصحية والبيئية التي تنتظر المنطقة، تستمر تركيا في حبس المياه.
وفي أيار/ مايو الفائت، حذرت زينة الحسن، الرئيسة المشاركة للجنة الصحة في الرقة، من تأثيرات انخفاض نهر الفرات وتلوث مياهه على الصحة العامة للسكان في المناطق التي تعتمد على النهر في تأمين مياه الشرب.
وأشارت ، في تصريح لنورث برس، إلى أن تحول أطراف نهر الفرات لمستنقعات نتيجة انحساره يشكل بيئة خصبة لتكاثر البعوض وذبابة الرمل، ما سيشكل بيئة مناسبة لظهور إصابات بمرض الليشمانيا خلال الفترة المقبلة.
وأواخر أيار/مايو، قال مسؤولون في المخبر المركزي للمحطة الرئيسة لمياه الشرب في الرقة، إن انخفاض مستوى مياه الفرات رفع نسبة عكورة المياه الى الدرجة الرابعة.
وقالت ضحى العلي، وهي أخصائية في المخبر المركزي، آنذاك، إن انخفاض منسوب نهر الفرات خلال الأشهر الماضية أثر بشكل سلبي على نوعية مياه الشرب التي يجري استجرارها من النهر.