فقدان أدوية وارتفاع أسعارها يفاقم وضع مرضى في دمشق وحلب
دمشق / حلب – نورث برس
بعد أن جالَ على عدد من الصيدليات، لم يحالف الحظ عبد الغني علبي (62 عاماً) وهو من سكان مدينة حلب، شمالي سوريا، في إيجاد الدواء الذي واظب على تناوله إثر عملية جراحية (قلب مفتوح) خضع لها قبل ستة أشهر.
ووعد أحد الصيادلة، الرجل بتأمين “الدواء المهرب” له، ولكن بسعر 16 ألف ليرة سورية، في حين أن العلبة تباع بأربعة آلاف ليرة في حال توفره في الصيدليات.
ولا يجد “علبي” خياراً آخر سوى قبول السعر للحصول على الدواء، ورأى أنه على وزارة الصحة في الحكومة السورية تأمين الأدوية في الصيدليات والمراكز الصحية “بأسعار نستطيع تحملها.”
لكن الوزارة، رفعت الخميس الماضي، سعر 12 ألف نوع دوائي بنسبة 50%، بعد مطالب أصحاب المعامل برفع الأسعار “وتهديدات” بالتوقف عن العمل.
وتراوحت نسب الارتفاع بين 40 إلى 50 % وهي مقسمة لأصحاب المعامل والصيادلة الذين لا تزيد نسبة الزيادة لديهم عن 20 في المئة، وذلك وفقاً لما ذكره طبيب ومدير معمل للدواء في حماة لنورث برس.
ومنذ بداية العام الجاري، يشهد الواقع الدوائي والصيدلي “نقصاً”، وفي أحيان كثيرة، انقطاعاً لأصناف دوائية عديدة أهمها أدوية الضغط والقلب والسكري.
ويعزو أصحاب معامل الأدوية المشكلة، لسعر الصرف وارتفاع تكلفة استيراد المواد الأولية الداخلة في صناعتها والتي تستورد بسعر صرف 2850 ليرة لكل دولار أميركي.
أصناف مفقودة
وقبل عدة أيام، قال عماد معتوق، وهو نائب رئيس مجلس إدارة شركة العالمية للصناعات الدوائية، لوسائل إعلام حكومية، إنهم “يخسرون كل أسبوع 5% من الأصناف الدوائية لعدم القدرة على تجديد المواد الأولية المطلوبة لشرائها.”
وأضاف “معتوق” حينها، أن “أكثر من 20% من الأصناف الدوائية فُقدت، وأن 60-70% من الأصناف الدوائية مهددة بالفقدان.”
لكن محمد العمر وهو اسم مستعار للمدير الفني لشركة “ابن الهيثم” للأدوية رأى أنه حتى لو تم رفع أسعار الأدوية بنسبة 100% “فالشركات والمعامل المصنعة “مهددة بالتوقف.”
وأشار إلى أن معظم المعامل ألغت إنتاج الكثير من الأصناف الدوائية لأسباب “خارجة عن إرادتنا.”
وأضاف: “المواد الأولية نشتريها بالدولار ونتكلف أجوراً باهظة لنقلها وتصنيعها، فتكاليف الإنتاج باهظة والمردود المادي ضئيل.”
وفي منتصف الشهر الماضي، جرى اجتماع في دمشق وضم وزير الصحة ومدراء الشركات الدوائية في حلب ودمشق وباقي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، لإيجاد “آلية ملائمة” تضمن استمرارية الإنتاج الدوائي السوري دون تعرض الشركات لخسائر.
وحينها طالب أصحاب المعامل، الوزارة بتوفير المواد الفعالة وشحنها وبيعها بسعر مدعوم، إضافة لتوفير مستلزمات الإنتاج كالطاقة الكهربائية والمحروقات وغيرها والسماح بتصدير الفائض.
“لكن الأجوبة كانت سلبية، فالوزارة تصر على العمل بالآلية القديمة، وهي أن يستورد الصناعي المواد الفعالة ويتعايش مع واقع تدني الخدمات مع البيع بالسعر الحكومي”، وفق لما أفاد به “العمر”.
شبه منتهية
وفي وقتٍ سابق، حذر نبيل القصير وهو صاحب مختبرات ميديكو لصناعة الأدوية في العاصمة دمشق من أزمة دواء “ما لم تتخذ وزارة الصحة إجراءات لتأمين المواد الأولية بأسعار مناسبة.”
وقال ” القصير” في تصريح لنورث برس، إن “أغلب معامل الأدوية دخلت في مرحلة انتهاء موادها الأولية، وتوقفت جزئياً عن الانتاج، لأنها ستتعرض لخسائر كبيرة في حال استمرارها في الإنتاج.”
وأضاف أن معامل الأدوية تعمل “وفق مخزونها من المواد الأولية، وعند توقف بعضها عن الإنتاج ندخل في مشكلة نقص البدائل الدوائية من الصيدليات، وانتشار الأدوية المهربة بأسعار مرتفعة.”
وتوقفت شركات الصرافة عن تمويل استيراد المواد الأولية، “ما خلق مشكلة في التحويل”، بحسب “القصير”.
وقال مصدر من معامل “ابن حيان” للأدوية، إن 90% من احتياجات معمله تستورد بسعر صرف الدولار في السوق السوداء، “والحكومة تريدنا أن نبيع بسعر صرف 1256 ليرة.”
وشدد على أن مستلزمات الإنتاج المحلي للأدوية لا تشكل أكثر من 5%.
وذكر أن المشكلة تحتاج لحل جذري، “لأنها أضحت تتكرر بين فترة وأخرى، وأن الحل عند وزارة الصحة.”
وقال غسان الشهدي (40عاماً) وهو صيدلي في حي الزبدية بحلب، إن مستودعات الأدوية لم تعد تؤمن القائمة الدوائية التي يطلبونها.
وأشار إلى أن القائمة تتضمن أحياناً 100 صنف، “لكن لا يصل منها سوى 50 صنفاً وأحياناً 40.”
وذكر الصيدلاني أن الشركات حالياً لا تبيع سوى الأصناف غير المطلوبة، “أما الأدوية الأساسية كأدوية القلب والالتهاب والخاصة بأمراض التنفس انخفضت للثلث وأحياناً تفقد ولا نستطيع الحصول عليها.”
أسعار مرتفعة
وبعد عناء طويل، لم تستطع سمر سعيد (51عاماً) وهو اسم مستعار لسيدة تسكن في منطقة المزة بدمشق، الحصول على دواء لابنها، ليس فقط لعدم توفره، إنما أيضاً لعدم قدرتها على شراءه.
ويعاني ابن “سعيد” من مرض عضال ويحتاج شهرياً ما يقارب الــ 30 ألف ليرة كدواء، وهو ما يشكل نصف راتب زوجها العامل كموظف حكومي.
وفقدت “سعيد” قدرتها على تأمين الدواء لابنها، نتيجة ارتفاع سعره، “ليس فقط عدم توفر الدواء ما يرهقنا، بل تفاوت السعر وارتفاعه بين صيدلية وأخرى، وبنسب كبيرة تفوق في بعض الأحيان الــ 3500 ليرة.”
ويسعى نور المصري وهو رجل في العقد الخامس من العمر من مدينة دمشق، لعدم حدوث انقطاع في تناوله للدواء.
ومنذ سنوات يعاني “المصري” من اضطرابات نفسية ووصف له طبيبه المختص دواءاً “بشرط تناوله بدون انقطاع.”
لكن معاناة “المصري” للحصول على الدواء تزيد وضعه النفسي تأزماً، إذ يجول في حارات دمشق وصيدلياتها بحثاً عن دواءه بشكل أسبوعي، تجنباً لحدوث انقطاع لديه في تناوله.
ويتخوف “المصري” من فقدانه القدرة على شراء الدواء جراء ارتفاع أسعاره بنسبة لا تتناسب مع قدرته الشرائية.