الحدادة العربية مهنة تقليدية في الرقة يتمسك بها أصحابها
الرقة – نورث برس
يُدخل عبد العزيز المطر (40 عاماً)، وهو حداد في الرقة، شمالي سوريا، قطعة معدنية من الحديد المقسى (الفولاذ) في فرن حراري بدائي حتى تتحول للون الأحمر، ليقوم مع عاملين معه بطرقها بمطارق ثقيلة وجهد لم يفقده متعة الحرفة حتى بعد أكثر من عقدين من ممارستها.
تتخذ قطعة المعدن التي كانت خردة شكل فأس وتتحول أخرى لمنجل سيُعرضان للبيع إلى جانب أدوات زراعية ومستلزمات صيانة قام بصناعتها.
وحتى الآن، يتمسك أصحاب مهنٍ يدوية وتقليدية، منها الحدادة العربية، بممارستها لتبقى ورشاتها تستقبل الزبائن في شارع القوتلي أقدم أسواق الرقة.
ويسمى سوق شارع القوتلي بـ”السوق الشرقي” أيضاً، لموقعه في أطراف المدينة الشرقية سابقاً قبل أن تتسع المدينة مع ازدياد عدد سكانها خلال العقود الماضية.
وورث “المطر” المهنة من والده، وأمضى أكثر من عقدين من عمره في ورشة للحدادة في مدينة الرقة، في محل تعود ملكيته لعائلته منذ سبعينات القرن الماضي.
ويبدو سعيداً بها رغم علامات الإجهاد التي تظهر على وجهه وجسده.
إعادة تدوير
ويصنع “المطر” في ورشته فؤوس حراثة ومشاطات أعشاب ومطارق صغيرة ومناجل حصاد وأدوات معدنية أخرى تستخدم في مجالات الزراعة أو البناء.
يقول “المطر” لنورث برس، إنه ورغم التطور الكبير في الصناعات المعدنية، وخصوصاً في مجال صناعة الأدوات الزراعية ما زال كثير من السكان يرتادون ورشته ليشتروا منه احتياجاتهم.
ويحصل، عادة، على قطع معدنية تالفة مثل نوابض السيارات (المقصات) والقضبان الحديدية، ليغدو عمله شكلاً من أشكال إعادة تدوير المواد التي لم تعد صالحة للاستخدام.
ويعتمد العمل في الورشة على تسخين القطعة المعدنية المراد تصنيعها لتصبح قابلة للطي أو الثقب لتحولها المطارق للأداة التي يطلبها الزبون.
ويستخدم الحداد الفحم الحجري وكوراً كهربائياً لإشعال الفرن وتسخين القطع المعدنية لتشكيلها من جديد وفقاً للأداة التي يرغب في صناعتها.
منتجات صلبة
يصف الحداد مهنته بالحرفة “الأصيلة”، ويقول إنها ما تزال تحافظ على عدد من الزبائن في مناطق أخرى مثل الحسكة ودير الزور الذين يتواصلون معه لشراء ما يحتاجونه.
واختار محمد العلي (35 عاماً)، وهو مزارع من ريف الرقة الشرقي، عدة فؤوس سيستخدمها في تنظيف الأعشاب في أرضه الزراعية.
وقال لنورث برس، إن المزارعين يحبذون شراء الأدوات المصنوعة في ورشات الحدادة العربية من الحديد المقسّى لصلابتها وصلاحيتها لزمن طويل، بينما القطع المستوردة تصنع من الحديد الخليط بالرمل (الفونط) وهي سهلة للكسر.
وأضاف “العلي” أن أسعار القطع التي يصنعها الحداد في ورشته مختلفة بحسب نوعها ووزنها، لكنها تبقى أقل سعراً من القطع المستوردة والتي غالباً ما تسعر بالدولار الأميركي.
ويحوي شارع القوتلي على محال وورش للمهن القديمة مثل ورشات صباغة ودباغة جلود الأغنام وورشات النجارة العربية ومحال لصناعة وصيانة الأدوات النحاسية مثل دلال القهوة والقدور وأواني الطعام، إلى جانب ورشات تصنع البسط الفراتية.
حرفة متوارثة
وقال يوسف الخضر (40 عاماً)، وهو من سكان حي المشلب بالرقة، إنه يشتم رائحة الماضي عند جلوسه في هذه الورشة “لأنها ربما الشيء الوحيد المتبقي من ملامح الرقة القديمة وذكرياتها.”
ويطيل “الخضر” الجلوس أحياناً، ويُحدث الحاضرين في الورشة عن ذكرياته عندما كان يصحبه أباه إليها قبل ثلاثين عاماً، بينما يتقابل سكان القرى مع آخرين في المدينة ويتحدثون عن الزراعة والمواسم وأمور حياتية أخرى.
ويأمل “الخضر” أن لا تندثر هذه المهنة التي تمثل جزءاً من تراث سكان الرقة والذي فقد منه الكثير خلال سنوات الحرب والدمار الذي شهدته المدينة.
بعد إنجاز منجل للحصاد، تبدو ثياب الحداد عبد العزيز المطر مبللة بالعرق من حرارة الفرن والجهد الذي بذله لطرق الحديد بالمطرقة.
ويصطحب ابنه للورشة كل يوم ليتعلم حرفة العائلة المتوارثة، ورغم أنها مهنة مجهدة إلا أن صاحبها يقول إن لها “متعة خاصة” لا يدركها إلا من عمل بها أو عشقها.