خبز التنور.. تراث لايزال حاضراً في مخيمات النزوح بإدلب
إدلب– نورث برس
مع بزوغ فجر كل يوم، تستيقظ حسنة المحمود (39 عاماً) من بلدة حاس في إدلب شمال غربي سوريا، لإعداد الخبز، بينما يتجمع أطفالها حول التنور منتظرين بلهفة خروج أول رغيف.
وحسنة المحمود النازحة في مخيم بلدة حربنوش، لا تزال تحافظ على عادة إعداد الخبز على التنور حتى بعد النزوح، ويدفعها إلى ذلك غلاء سعر الخبز في الأسواق وقلة جودته، وتفضيل هذا النوع من قبل زوجها المريض بالسكري.
وترى “المحمود” إن صناعة خبز التنور تعتبر جزءاً من التراث الشعبي في المنطقة ولا يمكنها الاستغناء عنها.
تراث متجدد
ويترافق إعداد الخبز مع عادات متوارثة ومحببة، تتمثل بالتعاون والمحبة وجمعةِ الجيران وإطعام الكبار والصغار.
ورغم توفر خبز الأفران في إدلب، إلا أن العديد من العائلات لاتزال تحافظ على إعداد الخبز على التنور أو الصاج رغم ما يحتاجه من تعب وجهد، نظراً لطعمه المميز والمحبب، وفوائده الصحية.
وتقول عيوش عبد الجواد المكناة بـ”أم سعيد” (60 عاماً)، وهي نازحة من ريف معرة النعمان إلى قرية كفريحمول لنورث برس: “يتطلب إعداد الخبز مهارة وخبرة من قبل النساء، وسرعة كبيرة للاستفادة قدر الإمكان من اشتعال الحطب داخل التنور.”
وعند إعداد خبز التنور لابد من الاستيقاظ باكراً لعجن الطحين بعد نخله وتنظيفه، وتركه لمدة ساعة ليختمر.
وتبدأ المرحلة الثانية بتقطيع العجين ثم إشعال التنور، ويتم المباشرة بعملية رقّ قطع العجين وتلويح الرغيف ليتسع حجمه، ثم وضعه على “الكارة” لخبزه داخل التنور.
ودرجت العادة، أن من يشتم رائحة الخبز الطازج ينال نصيباً منه، كما تجتهد الأمهات في تعليم بناتهن على إعداد خبز التنور، للحفاظ على النكهة المميزة والعادة المتوارثة عبر الأجيال، بحسب النازحة “عبد الجواد”.
مصدر رزق
الكثير من النساء اتخذن من إعداد الخبز مهنة لهن يسعين من خلالها لتأمين متطلبات الحياة وتحسين أحوالهن المعيشية.
ووجدت جميلة السلطان (41 عاماً) وهي نازحة من ريف سراقب إلى أطراف مدينة إدلب، بعد وفاة زوجها، في إعداد الخبز مهنة تؤمن من خلال ما تجنيه منها، متطلباتها وأطفالها الأربعة بعد أن أصبحوا دون معيل.
وقالت: “بعد وفاة زوجي لم أحصل على أي فرصة عمل أعين بها نفسي وأولادي الأربعة، ثم خطر لي أن أستغل مهارتي في صناعة الخبز، وبدأت العمل بالفعل.”
وتتقاضى “السلطان” ثلاث ليرات تركية عن إعداد كل كيلو غرام من الطحين للنساء في المخيم، حيث تقدمن الطحين والخميرة، فيما تؤمن هي الحطب من الأحراش والجبال.”
وأشارت “السلطان” إلى أن الأغلبية ممن تُعدُّ لهنَّ الخبز يفضلون أرغفة الخبز المدهونة بالزعتر أو الفليفلة الحمراء المخلوطة بالزيت والتوابل.
وتحتاج صناعة التنور لتربة خاصة صفراء اللون تسمى بـ “الحال” وينحصر وجودها في مناطق محددة من إدلب، بحسب ” السلطان”
ويتم خلط التربة الصفراء بالقش والماء، “ونبدأ بتشكيل التنور حتى يأخذ شكله الدائري، وبعد تركه تحت أشعة الشمس ليتماسك ويجف، نقوم ببنائه وتجهيزه في المكان المخصص له بعد صنع مصطبة خاصة به ليوضع عليها العجين.”
استحضار الذكريات
يتحدث أحمد حج خميس (55 عاماً) وهو نازح من بلدة حزارين إلى مخيمات سرمدا، عن حبه لخبز التنور، وارتباطه بذكرياته في القرية، ويقول إن “لقمة من خبز التنور أفضل من خمسين رغيف خبز عادي.”
ويضيف لنورث برس: “التنور لا يعني لنا الخبز فقط، بل هو حلقة تواصل اجتماعي، وذكريات عالقة في ذاكرتنا لا يمحوها الزمن وقسوة النزوح والتهجير.”
ويشير إلى أن أجمل ساعات الصباح، “هي تلك الممزوجة برائحة الخبز، ولمة الجيران والأقارب والأصدقاء قرب التنور، لتناقل الأخبار وتبادل الأحاديث والضحكات مع تناول الخبز الساخن.”
ويقول بنبرة يشوبها نوع ٌ من الحزن: “يمكننا استحضار خبز التنور في مخيمات النزوح، ولكن كيف لنا أن نستحضر لمة الأصدقاء والأحبة؟.”