واقع نساء البادية السورية بين تنظيم الدولة الإسلامية والقوات الحكومية

تدمر- نورث برس

لم تخرج نائلة الحسن (35 عاماً) لرعي المواشي ومساعدة أولادها وزوجها بالعناية في أشجارهم من النخيل والزيتون منذ سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على مدينة تدمر في البادية السورية وإلى اليوم، حيث تسيطر القوات الحكومية على المدينة.

ويقتصر عمل السيدة حالياً على حلبِ الأغنام وصناعة الأجبان في المنزل، كما أنها منعت أولادها من رعي المواشي في الأراضي خشية تعرضهم لخلايا التنظيم “الذين يجبروننا على دفع الزكاة لهم بين الحين والأخر.”

وتمنع  السيدة أطفالها من الخروج لأراضٍ بعيدة، “ربما يعاقبون أولادي لأنهم لا يرتدون الزي الذي كانوا يفرضونه على السكان خلال سيطرتهم على المنطقة.”

 وتتخوف “الحسن” من تعرضها للاغتيال على يد عناصر التنظيم  في حال عادت إلى عملها بالمواشي والزراعة.

حال “الحسن” يمثل حال معظم نساء مدينة تدمر بشكل خاص والبادية السورية بشكل عام في ظل تدهور الوضع الأمني وانتشار خلايا تنظيم “داعش” في المنطقة وعدم توفر البيئة الآمنة لعملهم من جديد.

وفي أيار/ مايو 2015، سيطر التنظيم على تدمر المدرجة على قائمة اليونسكو للمواقع الأثرية، واستعادت قوات الحكومة السورية السيطرة عليها في آذار/ مارس 2016 بدعم من غارات جوية روسية.

لكن وبعد ثمانية أشهر من طرده منها، أعاد عناصر التنظيم السيطرة مجدداً على تدمر في كانون الأول/ ديسمبر 2016.

وتمكنت القوات الحكومية وبعدم معارك عنيفة بين الطرفين من إعادة سيطرتها عليها أوائل آذار/ مارس 2017  بدعم من غارات جوية روسية.

وبالرغم من عدة عمليات تمشيط من قبل القوات الحكومية، إلا أنه تزداد أنشطة خلايا تنظيم “داعش” في تلك منطقة وسط مخاوف سكان من عودة ظهور التنظيم من جديد.

“واقع لم يتغير”

وتقوم خلايا “داعش” وبحسب سكان محليين، بفرض إتاوات يطلقون عليها تسمية “الزكاة”، على رعاة الأغنام في محيط تدمر, حيث أمهل التنظيم في كانون الثاني/ يناير الماضي, الرعاة بجمع “أموال الزكاة” خلال مدة أقصاها  48 ساعة.

وتتراوح المبالغ التي تفرضها خلايا “داعش” على رعاة الأغنام، بين 300 ألف ليرة والمليون، وتصادر المواشي حال عدم توفر المال، بحسب السكان.

وقبل سيطرة التنظيم، كانت بعض نساء تدمر تعملن برعي المواشي ومنهم يعملن في صالونات تجميل وأخريات في مجال الخياطة ضمن مشاغل وبعضهن يمتلكن محال للخياطة خاصة بهن.

ولم يختلف المشهد بعد سيطرة القوات الحكومية على كامل مدن وبلدات البادية السورية بشكل عام وريف حمص الشرقي بشكل خاص على النساء العاملات، وذلك نتيجة عدم الاستقرار وانتشار خلايا التنظيم في المنطقة.

وتمارس نور العبدو (23عاماً) وهي كوافيرة نسائية عملها في منزلها، رغم أنها تمتلك صالوناً خاصاً بالحلاقة في حيها.

ولا تجرؤ الشابة على افتتاح صالونها “خوفاً من زرع عبوة ناسفة أمام الصالون والتعرض للتحرش اللفظي من عناصر القوات الحكومية واندلاع شجار مع إخوتي.”

وأثناء سيطرة التنظيم على المدينة، اضطرت “العبدو” لإغلاق صالونها والعمل في منزلها، خشية تعرضها لأي عملية سجن أو تعذيب من قبل التنظيم ووضع إخوتها بمرمى إجرام التنظيم، على حد وصفها.

وقالت إن التنظيم كان يعتبر الحلاقة النسائية “مخالفة شرعية وكفر بالدين، لذا التزمت العمل في المنزل بشكل سري.”

ورغم رغبتها الشديدة لمعاودة افتتاح صالونها في سوق الساحة وسط تدمر، و”استقبال الفتيات والسيدات بكامل حريتي. لكني لا أستطيع المغامرة.”

“أعمال محدودة”

ويخشى سكان المنطقة بشكل عام والنساء بشكل خاص من خلايا التنظيم الذين ينتشرون بمحيط القرى بعمق البادية، يقومون بتنفيذ اغتيالات بشكل شبه يومي في بلدات وقرى البادية السورية بحق عناصر من القوات الحكومية وتهدد رعاة الأغنام بدفع “الزكاة”

وفي الخامس من هذا الشهر، ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قتل 23 عنصراً على الأقل من القوات الحكومية على يد تنظيم “داعش” في مناطق بادية حمص الشرقية مروراً ببادية حماة ودير الزور ووصولاً إلى بادية الرقة.

وعاشت نساء تدمر خلال سيطرة التنظيم على المدينة كحال النساء في باقي المدن والبلدات التي خضعت لسيطرته، ظروفاً صعبة، حيث فرض التنظيم قوانين اعتبرتها الكثيرات صارمة بحقهن، واضطرت الكثير من نسوة تدمر لممارسة أعمالهن كالخياطة والحلاقة وغيرها من المهن في منازلهن دون افتتاح صالونات ومشاغل في الأسواق.

ويقتصر عمل  فاطمة الخالدي (40عاماً) حالياً على حلب الأغنام والمواشي بعد عودة زوجها وأولادها من الرعي قرب منزلهم بمحيط تدمر.

وأثناء سيطرته، منع عناصر التنظيم السيدة من مساعدة أبنائها في رعي للأغنام في محيط المدينة، حيث اعتقل ابنها الكبير مرة، وتم جلده 40 جلدة وإخضاعه لدورة شرعية بعد رؤيتها ترعى الأغنام ولا ترتدي القفازات.

وقالت “الخالدي” إنه ولخوفها على أولادها من التنظيم، أجبرت على المكوث في المنزل والقيام بـ”أعمال محدودة. أتمنى أن أعود كالسابق، أرعى الأغنام مع أولادي وأساعد زوجي في الاعتناء بأشجار النخيل والزيتون، ولكني لا أستطيع.”

إعداد: أية الأحمد- تحرير: سوزدار محمد