دمشق – نورث برس
لم يدرك صلاح السروجي (31 عاماً) هو اسم مستعار لمؤسس إحدى التجمعات الثقافية في دمشق، أن مبادرته ستتوقف عن العمل بقرار من جهات أمنية.
وبدأت مبادرة “السروجي” على شكل صالون ثقافي يجتمع فيه بعض هواة القراءة والمطالعة، واقتصرت نشاطاته على جلسات للحديث عن بعض الروايات وقراءة الشعر وسماع الموسيقى.
ومع زيادة الإقبال وتحمس بعض الشباب، بُدِء العمل على تأطير المبادرة من صالون ثقافي لنادٍ ثقافي يقيم فعاليات ثقافية ويستضيف كتاباً ونقاداً ومخرجين، بهدف إحياء الحركة الثقافية في دمشق.
وقال لنورث برس: “نجح الأمر في البداية ما بين أعوام 2016-2018 في العمل، وقام الفريق المؤسس بإحياء العديد من الفعاليات في مقاهٍ متعددة ومراكز ثقافية بدعم من بعض المدراء، قبل أن يصطدم بقرار الإيقاف من إحدى الجهات الأمنية.”
وأضاف “السروجي”: “اعتقدت في البداية أننا سنتمكن من تحقيق إنجازٍ أو خرقٍ ما، قبل أن أدرك بأن السماح المؤقت للعمل ضمن سقف محدود لا يتجاوز حدود الأدب وبعض القضايا المجتمعية، احتاجت إلى موافقات روتينية طويلة عن كل تفاصيل الفعالية.”
ورغم حالة النشاط التي عرفوها في أيام العمل، “إلا أنها تمثل احتواءً لموجةٍ ما لبثت الأجهزة الأمنية أن فككتها ومنعت قيامها، مع توقف العمليات العسكرية وتفرغها مجدداً للشؤون الداخلية.”
“جذور سطحية”
تعتبر جذور الحركة الثقافية قديمة ومترسخة في دمشق، إلا أنها مع بدء حكم البعث بدأت بـ”الضمور والتراجع”، خاصة أن معظم روادها كانوا من السياسيين والمهتمين بالشأن العام، بحسب مثقفين.
وهذا الأمر “دفع حكومة البعث إلى إقصاء هذه الحركات ومنعها، تخوفاً من قدرة المثقفين على تنظيم أنفسهم بكيان قادر على التأثير أو ضعضعة الحكم.”
وقوبلت هذه الحركات إما بالاحتواء التدريجي عبر حصرها في المراكز الثقافية المسيطر عليها، مروراً بقرارات منع التجمعات تحت أي ذريعة، وليس انتهاءً باعتقال بعض الناشطين لكبح جماح الحركة نهائياً.
تقول سلام عبد الغني (36 عاماً) وهو اسم مستعار لناشطة في إحدى المبادرات الثقافية في دمشق، لنورث برس، إن الشأن الثقافي يعتبر “حقل ألغام كحقل السياسة تماماً، نظراً للدور المناط بالمثقف على الصعيد السياسي والاجتماعي.”
وذكرت “عبد الغني” أنها “توسمت بالاحتجاجات التي اندلعت منذ 10 سنوات أملاً في كسر الحواجز في نفوس السكان، ما قد يدفعهم للعودة والانخراط بالشأن الثقافي، وما قد يمثله هذا من بادرة لبدء العمل والتغيير على المستوى الاجتماعي.”
وأضافت: “لكن عقود القمع الطويلة التي مرت على سوريا، وهول فظاعة ما عاشه السكان، كان أقوى من تجاوب السكان مع القبضة التي تراخت في بعض السنوات، وكان يمكن استغلالها لتأسيس تجمعات يصعب إلغاؤها بسرعة.”
ورغم أهمية التجمعات الثقافية التي نشطت في السنوات الأخيرة، “إلا أنها لم تطور من عملها، وبقيت محصورة بخانة مناقشة الأدب.”
وقالت: “لا أقصد الاستخفاف بالأدب، فهو جزء أساسي من بناء الثقافة، لكن القصد بعدم التطرق حتى للقضايا الإشكالية التي يطرحها الأدب ويواجهها المجتمع، ومناقشته من زاوية النقد الأدبي التي يستعرض بها النقاد الأكاديميون أو الطرح الشعبي للهواة.”
“قيود ممتدة”
ترافقت ممارسات التقييد ومنع ومراقبة التجمع بممارسة منع النشر والطباعة، أو إحضار المطبوعات الخارجية حتى التي لا تتطرق إلى الأوضاع المختلفة في سوريا.
وقال أيمن خلوف (54 عاماً) وهو اسم مستعار لكاتب ومخرج سوري، لنورث برس، إنه لا يمكن الحديث عن نشر أو تصوير أي مادة في سوريا “دون المرور بحلقات متعددة من الرقابة التي تحدد جواز ذلك أو عدمه.”
وذكر “خلوف” أنه حتى في حال لجوء الكاتب أو المخرج إلى النشر خارج سوريا، “فهو حتماً سيواجه التضييق أو الملاحقة أو حتى الاعتقال في الداخل في حال لم يعجب السلطة.”
وأشار إلى أن حركة دخول المطبوعات إلى سوريا “مقيدة جداً، ومنع السلطات يطال العديد من روايات الأدب العالمي دون أي سبب يذكر.”