الصراع في سوريا وعليها ونتائجه الاقتصادية (1)

في تقرير صادر عن البنك الدولي، وصلتني نسخة منه، يرصد معدوه الخسائر الاقتصادية والاجتماعية وغيرها التي تعرضت لها سوريا جراء الحرب الدائرة فيها حتى بداية عام 2017.

بحسب التقرير، فإن الخسائر التراكمية في رصيد رأس المال المادي بلغت 226 مليار دولار أي نحو أربعة أضعاف الناتج المحلي السوري في عام 2010 كما يقدره البنك. ويشير التقرير أيضا إلى أن نحو 7% من المنازل في سوريا قد تم تدميرها كلياً، إضافة إلى نحو 20% منها قد طاله التدمير الجزئي.

ويقدر معدو التقرير الخسائر البشرية بين 400 و470 ألف وفاة، عداك عن نزوح نصف سكان البلد عن أماكن سكنهم. لقد أدى الصراع، بحسب ما ورد في التقرير، إلى تعطل التنظيم الاقتصادي، وهو بحسب رأيهم تسبب بأضرار يتجاوز حجم الأضرار المادية.

 لقد أدى الصراع إلى تدمير عوامل الإنتاج وإعاقة عمليات التواصل الاقتصادي بين مختلف المناطق السورية، بل حطم في كثير من الحالات الشبكات الاقتصادية والاجتماعية وسلاسل التوريد، ما حد كثيراً من الحوافز لمتابعة الأنشطة الاقتصادية. تقدر الخسائر الناجمة عن كل ذلك بما يتجاوز خسائر تدمير رأس المال بـ 20% في السنوات الأولى للصراع، وتسبب في تراجع الاستثمار بنحو 80% وذلك جراء تزايد المخاطر وتراجع مؤشر الربحية.

وتشیر التقديرات إلى أن إجمالي الناتج المحلي في سوریا انكمش بنسبة  63% خلال الفترة بین عامي 2011 و2016 بالقيمة الحقيقية، مقارنة مع مستواه عام 2010. لقد طال الضرر بصورة خاصة قطاع المحروقات،إذ انخفض إنتاج النفط بنسبة 93% فتراجع إنتاج الهيدروكربونات من 383 ألف برميل في عام 2010 إلى نحو 10 آلاف برميل في عام 2016. وطال  الضرر أيضا القطاع الزراعي نتيجة خروج مساحات واسعة من الزراعة، وتضرر شبكات الري والنقص الشديد في مستلزمات الإنتاج كالبذور والأسمدة والوقود.

إن تعطيل الشبكات الاقتصادية ورأس المال البشري والقدرة على التواصل أدى إلى تفاقم الأضرار المادية على الخدمات العامة. لقد كانت الأضرار مرتفعة في قطاع الصحة، إذ تعرض نحو 16% من المنشآت الصحية في ثماني محافظات ركز التقرير عليها إلى تدمير كامل، في حين طال التدمير الجزئي نحو نصفها، وفي قطاع التعليم طال التدمير الكامل نحو 10 % من المدارس في حين تضرر جزئياً نحو 53% منها.

لقد كانت الأضرار التي لحقت بقطاع الكهرباء بالغة خصوصاً لجهة القدرة على تشغيلها، بسبب نقص الوقود والقيود الناجمة عن الصراع لجهة الوصول إلى المحطات، وأدت إلى انخفاض حاد في توليد الكهرباء. لقد انخفض  توليد الكهرباء من 43164 جيغاوات ساعة في عام 2010 إلى 16208 جيغاوات ساعة في عام 2015، أي بانخفاض بلغ 62.5%.

ستة محطات فقط من أصل 18 محطة استمرت في العمل، إضافة إلى تعطل جميع سدود الطاقة، ولحق الضرر بأربع محطات، ودمرت محطة واحدة بصورة كاملة. لقد طبقت الحكومة السورية نظام التقنين مما انعكس سلباً على خدمات أخرى حيوية للسكان مثل خدمات المياه والتعليم والصحة وغيرها.

من جهة أخرى تسببت العقوبات الدولية بتراجع الصادرات السورية بنسبة 92% بين  عامي 2011 و2016. وتشير التقديرات إلى أن العجز في الحساب الجاري قد بلغ نحو 28% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2016، بعد أن كان لا يزيد عن 0.7% في عام 2010، وكان تمويل هذا العجز يتم من خلال السحب من احتياطات النقد الأجنبي التي  كانت تقدر بنحو 21 مليار دولار في عام 2010، لتصير نحو مليار دولار في عام 2015. وانخفضت إيرادات الموازنة من نحو 23% من الناتج المحلي في عام 2010 إلى نحو 3% في  عام 2015 وذلك بسبب تراجع عائدات النفط والضرائب وانهيار التجارة مع أهم الشركاء التجاريين بسبب العقوبات. ونتيجة لذلك، ارتفع الدبن العام الإجمالي من 30% من إجمالي الناتج المحلي عام 2010إلى 150% عام 2015.

لقد كانت الأضرار الناجمة عن الصراع بالغة على الأرواح البشرية نتيجة التشرد والمغادرة القسرية لمكان السكن والعمل.  

ووفقاً لمفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، فإن العدد الإجمالي للسوریین المسجلین حالیاً كلاجئین خارج البلاد في لبنان وتركیا والأردن والعراق ومصر وشمال أفریقیا یبلغ  4.9ملیون.  

وبالإضافة إلى ذلك، فإن أكثر من  800ألف مواطن سوري طلبوا اللجوء في أوروبا في عامي 2015 و .2016ولا تشمل هذه الأرقام حوالي  0.4ملیون إلى 1.1ملیون لاجئ سوري غیر مسجل في لبنان والأردن وتركیا والعراق.

وبلغ عدد النازحین في الداخل نحو  5.7ملیون شخص في كانون الثاني/ ینایر2017، وظل نحو 56 % منهم داخل محافظاتهم.  تقلصت كثيراً فرص العمل، وبلغت البطالة بين الشباب نسبة 78% في عام 2015. في ضوء هذه الوقائع فإن ستة من كل عشرة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر المدقع بحسب بعض المصادر. في المقالة القادمة سوف نستكمل خسائر الاقتصاد السوري نتيجة الصراع في سوريا وعليها.