القصف التركي المستمر يتسبب بخسائر لسكان ونازحين من عفرين

حلب – نورث برس

لم يعد باستطاعة مصطفى نبو (30عاماً) وهو من سكان قرية كالوته التابعة لناحية شيراوا جنوبي عفرين، رعي مواشيه في محيط القرية خشية وقوع قذيفة أو استهدافها بالرصاص من قبل القوات التركية والفصائل الموالية لها، بعدما تكرار الأمر لمربي مواشي في قريته وقرى مجاورة.

ومنذ أكثر من ثلاث سنوات، لا يتمكن “نبو” من قطف محصول الزيتون وزراعة أرضه الواقعة على أطراف بلدة براد الخاضعة لسيطرة القوات التركية وفصائل المعارضة الموالية لها.

ويعتمد “نبو” حالياً في معيشته على زراعة بعض الخضار في مساحة صغيرة يمتلكها بفناء منزله، إضافة لماعز وأغنام لا يتجاوز عددها الخمسة.

وتتعرض كالوته وقرى أخرى غير خاضعة لسيطرة القوات التركية وفصائل المعارضة الموالية لها، لقصف مدفعي شبه يومي، يتسبب بأضرار بشرية ومادية للسكان.

وأمس الجمعة، تعرضت قرى زرناعيت ومياسة وصوغانة وعقيبة في الناحية لقصف مدفعي، تسبب بحالة هلع بين سكانها.

والأسبوع الماضي، شهدت قرى بناحية شيراوا، قصفاً عنيفاً من قبل القوات التركية وفصائل المعارضة المتمركزة في قرى مجاورة.

كما فقدت الأسبوع الماضي، الطفلة زينب حسين (14 عاماً) حياتها وأصيب والدها (51عاماً) وشقيقها (11عاماً) بجروح في كالوته التابعة للناحية، نتيجة استهداف القوات التركية وفصائل موالية لها للبلدة بعشرات القذائف.

وفي الثامن عشر من آذار/ مارس 2018 سيطرت القوات التركية رفقة فصائل معارضة على منطقة عفرين، ما أدى لنزوح أكثر من 300 ألف شخص من سكان المنطقة الأصليين إلى منطقة الشهباء بريف حلب الشمالي.

ولم تفرض تركيا قبضتها حينها على عدة قرى تابعة لناحية شيراوا (صوغانة، عقيبة، زيارة، ابين، كلوته، مياسة، زرناعيت، الذوق الكبير، برج القاص، باشمرة، خريبكه)، لتسيطر عليها قوات الحكومة السورية بعد انسحاب وحدات حماية الشعب منها.

قصف مستمر

والأسبوع الماضي، أدى قصف مدفعي تركي استهدف قرية عقيبة في ناحية شيراوا لنفوق عشرات المواشي وإلحاق أضرار مادية بمنازل وممتلكات سكان القرية.

وفي وقت سابق، قال شهود عيان في القرية لنورث برس، إن القصف تسبب أيضاً باندلاع حرائق في غابة حراجية واقعة بين قريتي عقيبة وصوغانة.

وقال “نبو” إن القصف التركي بالصواريخ والقذائف المدفعية تسببت “بدمار كبير بقريتنا. الكثير من المواشي نفقت جراء القصف.”

وأضاف الرجل: “نحن مهددون بفقدان مصدر رزقنا بسبب القذائف التركية.”

وقبل عدة أيام، قصفت القوات التركية المتمركزة في مركز البحوث العلمية على طريق أعزاز- يحمول،  بأكثر من 15 قذيفة مدفعية قرية دير جمال ناحية شيراوا بريف حلب الشمالي.

وفي بلدة أبين التابعة لناحية شيراوا لا يستطيع مزارعون هذا العام حصاد محاصيلهم المزروعة في أراضي تقع شمال غرب البلدة، بسبب استهداف القاعدة التركية في القرية المجاورة لأي تحرك للسكان في تلك الأراض التي تقدر بعشرات الهكتارات بالقذائف.

وقال جميل الغباري (66عاماً) وهو من سكان البلدة: “ببداية الموسم الحالي، استطعنا وبالرغم من مخاطر القصف، زراعة الأراضي الشمالية الغربية من البلدة.”

ولكن مع اقتراب الحصاد وجني المحاصيل كثفت القاعدة العسكرية من عمليات القصف المدفعي والاستهدافات بالرشاشات الثقيلة والمتوسطة على البلدة ومحيطها.

“فالأراضي المزروعة على تخوم التواجد التركي يستحيل حصادها ولا نستطيع إدخال الحصادات إليها خشية استهدافها من قبل الأتراك والفصائل المسلحة.”

وتكبد “الغباري” ومزارعون آخرون خسائر مالية لعدم تمكنهم من حصاد أراضيهم، “تركيا تحاربنا حتى في أرزاقنا ومصادر دخلنا.”

وفي شباط/ فبراير العام الماضي، قصف القوات التركية وفصائل المعارضة قرية عقيبة بعشرات القذائف، ما تسبب بفقدان ثلاثة مدنيين حياتهم وإصابة ثلاثة آخرين بجروح.

كما قتل عشرة مدنيين، بينهم ثمانية أطفال, وأصيب 13 آخرون بجروح متفاوتة الخطورة في قصف تركي على بلدة تل رفعت في الثاني من كانون الأول/ ديسمبر 2019، واستهدف القصف حينها أحد الشوارع الرئيسية في البلدة.

محاولات إخلاء

وفي قرية صوغانة، لم يعد بمقدر المزارع حسن عثمان الاقتراب من كرم العنب الواقع غرب القرية لقربه من قرية كيمار والواقعة تحت سيطرة تركيا والفصائل الموالية لها.

وبحسب سكان محليين فإن تركيا ما تزال مستمرة في بناء الجدار العازل الذي بدأت ببنائه إبان سيطرتها على عفرين، بطول 50 كم ويمتد من بلدة كفر جنة شرق عفرين إلى قرية باصوفان في جنوبها الغربي مروراً بقرى كيمار وبراد وبرج حيدر وغيرها.

فالجدار الذي عززته تركيا بنقاط حراسة مرتفعة معززة بقناصين بات يشكل تهديداً للمزارع “عثمان” الذي تعرض لرصاصة قنص كادت تودي بحياته.

واعتاد “عثمان” في هذه الأوقات من كل عام على أقطف ورق العنب لبيعه “هذا هو عملي الذي كانت تعيش منه عائلتي.”

لكن بعد أن استكملت تركيا تحصين الجدار “الذي نشاهده بالعين المجردة ويبعد عن قريتنا حوالي ثلاثة كيلومترات، باتت كروم العنب والزيتون أماكن خطرة فرصاص القنص يطالها.”

وفي العام 2019 نزحت أكثر من150 عائلة من قرية صوغانة بسبب القصف العنيف الذي شهدته القرية.

وفي الثامن من آب / أغسطس 2019، استهدفت الفصائل، القرية بأكثر من 100 قذيفة هاون، ما أسفر عن جرح أربعة أشخاص من عائلة واحدة، بينهم طفل، فيما تسبب قصف آخر في شباط / فبراير من ذات العام، بإصابة عدد مماثل.

وعمدت الفصائل الموالية لتركيا في صيف 2019 إلى إضرام النيران بالمحاصيل الزراعية، من قمح وشعير وعدس وأشجار الزيتون في القرية، ليسارع السكان في محاولات “غير مجدية” لإخمادها، حيث أطلقت الفصائل الرصاص على كل من حاول الاقتراب من النيران حينها.

وساهمت سرعة الرياح حينها، في زيادة حدة النيران، ليتحول موسهم السنوي بعد ساعات إلى رماد.

وقال “عثمان” إن عمليات القصف المستمرة على قرى في شيراوا، “ما هي إلا محاولة لإخلائها من سكانها، كما جرى الأمر لقرى النواحي الأخرى في عفرين.”

وأضاف: “نحن نعيش تحت التهديد والخطر بشكل دائم، فكلنا معرضون للموت أو الإصابة سواء كنا في منازلنا أو في أرضينا الزراعية.”

إعداد: نجم الصالح – تحرير: سوزدار محمد