“التسول” في إدلب حاجة للبعض وتجارة رابحة لآخرين

إدلب – نورث برس

يجوب مصطفى المرمور (60 عاماً)، اسم مستعار، شوارع مدينة إدلب شمال غربي البلاد طوال النهار، يطلب المساعدة من المارة لتأمين ثمن الخبز لعائلته المؤلفة من تسعة أشخاص بينهم أحفاد فقدوا آباءهم خلال الحرب في سنوات سابقة.

يقول الرجل إنه مضطر لسؤال الناس خاصة بعد أن فر بعائلته من مدينة معرة النعمان بسبب الحرب وفقدان مصدر دخل العائلة التي كانت تملك أرضاً زراعية في المعرة.

وفقد “المرمور” اثنين من أبنائه قبل تركه لمنزله، وهو ما زاد من أعبائه في إعالة أطفالهما في ظل عجزه عن تأمين فرصة عمل نتيجة رفض أرباب العمل لكبر سنه وعدم قدرته على تحمل مشقة العمل، وهو ما دفعه للجوء إلى طلب المساعدة في أسواق إدلب.

ومؤخراً تحول “التشرد والتسول” في إدلب إلى ظاهرة لافتة، فما أن تفتح الأسواق أبوابها حتى ينتشر العشرات من كبار السن والنساء والأطفال في شوارعها وفي الحدائق وأمام المخابز، يستجدون لقمة العيش من المارة.

وغالباً ما تكون دوافع هذه الشريحة متشابهة في فقدان المعيل ومحاولة تأمين ثمن الأدوية.

ومنذ أشهر، أصدرت حكومة الإنقاذ الذراع المدني لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، قراراً يقضي بمنع “التسول” في محافظة إدلب.

لكن القرار لم يحد من انتشار الظاهرة، “لعدم اتخاذ إجراءات وحلول لمساعدة هؤلاء السكان” طبقاً لـ”سمر كتلاتي” (38 عاماً)، وهو اسم مستعار لنازحة في مدينة سرمدا شمال إدلب.

سنموت جوعاً

تقول المرأة إنها لا تأبه لقرار حكومة الإنقاذ، فهي “لا تجيد سوى قرارات المنع وفرض الضرائب، دون الاكتراث لهموم الناس أو إيجاد بدائل لمساعدتهم.”

واضطرت “سمر” لطلب المساعدة من السكان بسبب إعاقة زوجها وفقدانها لمعيل ينفق عليها وعلى أطفالها.

وتضيف: “سأموت مع أطفالي جوعاً إذا التزمت بقرار الحكومة.”

لكن مشكلة المرأة لا تقتصر على اضطرارها للتسول فحسب، فهي بالإضافة لذلك تتعرض للتحرش من بعض الأشخاص الذين تطلب مساعدتهم، بينما تضطر للهرب في حال وجود دوريات أمنية تابعة “لحكومة الإنقاذ” خشية اعتقالها.

تقول “سمر” إنها تعرضت للاعتقال في أوقات سابقة وتم الإفراج عنها بموجب تعهد خطي بعدم العودة مجدداً “للتسول”.

في مقابل مأساتي الرجل المسن مصطفى والمرأة سمر، ثمة عائلات امتهنت “التسول” وبات باباً يدر عليها أموالاً طائلة، من خلال تعليم أطفالها أساليب وطرقاً معينة لكسب المال من المارة.

ولا تتوقف المشكلة عند هذا الحد، فقد عمد البعض إلى استغلال أطفال مشردين عبر إيوائهم وزجهم في شوارع المدينة لطلب المساعدة وكسب المال لصالح هؤلاء الأشخاص.

واعتاد رامي الزين الذي لم يتجاوز سبعة أعوام، الوقوف أمام الأفران في مدينة الدانا شمال إدلب، يستجدي السكان للحصول على ربطات خبز لإعالة إخوته وأمه بعد وفاة والده منذ أكثر من عامين، إذ بات المعيل الوحيد للعائلة.

يقول الطفل إن “استغلال أرباب العمل دفعني للتسول وخاصة أن راتبي لم يكن يتجاوز 30 ليرة تركية في الأسبوع.”

والآن بعد أن يحصل على أكياس من الخبز بقيمة 25 ليرة تركية يومياً، يقوم ببيعها ويقدم ثمنها لأمه لتشتري لإخوته الصغار ما يسد رمقهم من الطعام.

أرقام مرعبة

يعزو ياسر العوض (39 عاماً)، وهو اسم مستعار لعضو في إحدى المجالس المحلية في إدلب، انتشار الظاهرة لازدياد الكثافة السكانية الناجمة عن النزوح المتكرر وما رافقه من أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة، في ظل غياب المساعدة من الجهات المسيطرة على المنطقة.

ووصلت نسبة البطالة في شمال غربي سوريا إلى 89%، بحسب إحصائية لفريق “منسقو الاستجابة”.

وشدد رائد القاسم (33عاماً)، وهو اسم مستعار لناشط إعلامي في مدينة إدلب، على ضرورة الحد من هذه الظاهرة من خلال تأمين فرص عمل ملائمة للنساء “المتسولات”.

كما أن توفير “كفالات مادية شهرية لكبار السن، وإقامة حملات توعوية تعرف خطورة هذه الظاهرة على الفرد والمجتمع” سيحد من المشكلة بحسب القاسم.

وقال إن المنظمات المحلية باتت تعمل “وفقاً لسياسات وأجندة تخدم مصالحها بغض النظر عن المشاكل والعقبات التي تواجه السكان في محافظة إدلب.”

إعداد: سمير عوض – تحرير: حكيم أحمد