طوابير من المرضى أمام العيادات بريف الحسكة بسبب قلة المياه وموجة حر

تل تمر- نورث برس

بين جموع من المراجعين، ينتظر قاضي محمد (38عاماً) وهو من قرية الركبة بريف بلدة تل تمر، شمال الحسكة، شمال شرقي سوريا، رفقة زوجته دورهم أمام إحدى العيادات الطبية في البلدة ليكشف الطبيب عن حالة طفله الذي يعاني منذ يومين من جفاف والآم في البطن.

وقال “محمد” الذي ينتظر دوره منذ ساعات بسبب طوابير من المرضى، إن طفله يعاني من الجفاف بسبب ارتفاع درجات الحرارة، في ظل عدم توفر التيار الكهربائي.

“لا نستطيع تشغيل المكيفات مما يدفعنا للجلوس تحت ظلال الأشجار طيلة فترة النهار هرباً من حرارة الغرف المنزلية.”

وتفتقر أغلب أحياء تل تمر وريفها لمولدات كهرباء عامة ولا يملك معظم السكان مولدات خاصة لتشغيلها في ظل انقطاع شبه كلي للكهرباء النظامية، بسبب حبس تركيا لمياه نهر الفرات، بينما يسجل ارتفاع الحرارة درجات قياسية خلال فترة النهار.

وكباقي المناطق في شمال شرقي سوريا، انخفضت ساعات الكهرباء في تل تمر وباتت “شبه معدومة”، حيث تصل ساعة أو ساعتين كل يومين أو ثلاثة أيام.

ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر، تحبس تركيا المياه في ست سدود، أكبرها سد ”أتاتورك” ثاني أكبر سد في الشرق الأوسط، مخالفة بذلك الاتفاقية الدولية.

وبحسب اتفاقية عام 1987 الموقعة بين دمشق وأنقرة والمتعلقة بنهر الفرات، تبلغ حصة سوريا من المياه القادمة من تركيا 500 متر مكعب في الثانية أي ما يعادل 2500 برميل.

ويقتصر الوارد المائي في نهر الفرات الآن، على أقل من 200 متر مكعب، بحسب الإدارة العامة لسدود شمال شرقي سوريا.

200 مراجع يومياً

بحسب سجلات مشفى “الشهيدة ليكرين” الوحيد في بلدة تل تمر والذي يقدم خدماته الطبية بشكل مجاني، فإن المشفى يستقبل بشكل يومي 200 مراجعٍ باستثناء العيادات الطبية، منذ حلول فصل الصيف.

وقال حسن أمين، مدير مشفى “الشهيدة ليكرين” إن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد المراجعين المصابين بالضغط والسكر لدى المسنين.

ومع حلول فصل الصيف تكثر الأمراض الموسمية وأهمها الإسهال والتهابات الأمعاء والتيفوئيد وأمراض جلدية، بحسب أطباء.

وإلى جانب حبس تركيا لنهر الفرات، يشهد نهر الخابور المار بجانب البلدة، ركوداً منذ أعوام بسبب منع تركيا أيضاً وصول المياه إلى مناطق الإدارة الذاتية.

واعتبر “أمين” أن جفاف نهر الخابور “أحد العوامل المؤثرة لانتشار الأمراض بكثرة بعد تحولها لمستنقعات ومنبعاً للحشرات والجراثيم مما يشكل أمراضاً جلدية بالنسبة للكثيرين وخاصة الأطفال الذين يسبحون فيها.”

كما أن المزارعين يسقون أراضيهم من هذه المستنقعات “ما يؤثر على جودة الخضار في الأسواق وهو ما يسبب أمراضاً.”

وبحسب مدير المشفى فإن قطع المياه الصالحة للشرب من محطة علوك يدفع السكان إلى تقنين استخدامها بشكل كبير خلال فصل الصيف “والذي يستوجب استهلاك المياه بكثرة، مما يشكل إهمالاً في النظافة الشخصية والبيئية.”

ويعاني سكان منطقة الحسكة صعوبات في تأمين مياه الشرب نتيجة انقطاع المياه من الخطوط الرئيسية بسبب قلة الوارد المائي من محطة علوك بريف مدينة سري كانيه (رأس العين).

موجة حر

وأواخر 2019 سيطرت القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة الموالية إثر عملية عسكرية على منطقتي سري كانيه وتل أبيض.  

وتعتبر محطة علوك، المصدر الرئيسي لمياه الشرب لمدن تل تمر والحسكة والشدادي والهول وأريافها والمخيمات التابعة لها.

ويتهم مسؤولون في الإدارة الذاتية، تركيا بتعمدها تقليل كمية وارد المياه الصالحة للشرب من محطة علوك.

وتطالب تركيا بالمزيد من التيار الكهربائي لمناطق سيطرتها مقابل تشغيل عدد محدد من مضخات المياه، وفقاً لما ذكره مصدر من مديرية مياه الحسكة التابعة لحكومة دمشق لنورث برس في وقت سابق.

وبحسب مصادر في الإدارة الذاتية، فإنه رغم تغذية منطقة سري كانيه، بكمية 20 ميغا واط من التيار الكهربائي مقابل تشغيل أربعة مضخات بمعدل 16 بئراً، “إلا أن ضعف ضخ المياه وقلة الوارد المائي يكشف زيف الادعاءات التركية في الإيفاء بوعودها.”

ولضيق الحال، راجع محمد علي وهو نازح من قرية الريحانية شمال تل تمر والخاضعة لسيطرة القوات التركية وفصائل المعارضة الموالية لها، مشفى البلدة لتشخيص حالة طفله الذي يعاني بدوره من جفاف.

ونتيجة الانحباس الحراري، تتعرض منطقة الحسكة في الأيام الأخيرة لموجة حر شديدة، وتشير النشرات الرسمية لدائرة الأرصاد الجوية لاحتمال وصول درجات الحرارة خلال فترة النهار ما بين 35 و38 درجة مئوية، وسط تنبؤات بارتفاعها في الأيام القادمة.

وبينما تعاين ممرضةٌ طفلهُ، قال النازح، إن هناك العديد من الأطفال في القرية التي أسكنها يعانون من حالة الجفاف والتهاب أمعاء.

إعداد: دلسوز يوسف- تحرير: سوزدار محمد