معامل ريف حلب الشمالي.. ابتزاز متواصل رفقة نهب وتخريب

ريف حلب ـ نورث برس

من خلال دفعه لإتاوات لقادة فصائل مسلحة أثناء تواجدهم بين عامي 2012 و2020 في ريف حلب الشمالي، تمكن غسان شرباتي (66 عاماً) وهو من سكان كفر حمرة شمال حلب وصاحب معمل للنسيج في المنطقة، من الحفاظ على منشأته.

وفضّل “شرباتي” المبالغ الكبيرة التي كان يدفعها لقادة الفصائل على السرقة والتفكيك الذي طال معامل بجوار منشأته.

وتسبب دخول قوات الحكومة السورية إلى المنطقة والسيطرة عليها قبل عام ونصف تقريباً، “بفوضى كبيرة وانفلات أمني”، بحسب “شرباتي”.

“لحظة دخولهم قامت بعض الجهات العسكرية الحكومية بعمليات نهب وتفكيك عشوائي تسبب بسرقة الآلات من معملي وتدمير آلات أخرى.”

كما أن هناك منشآت تخضع لسيطرة مجموعات عسكرية تابعة للحكومة، يفرض على أصحابها ضرائب شهرية.

وأضاف الرجل: “طالبنا الأجهزة الحكومية الأمنية والإدارية بضرورة الحفاظ على كافة المصانع والمعامل والورش لأهميتها في رفد الصناعة الحلبية وتحسين الاقتصاد إضافة لتوفير فرص عمل للآلاف.”

ولكن “للأسف لم تقم تلك الأجهزة بواجبتها بحفظ الأمن وحماية المنشآت التي لا تقل أهمية عن مدينة الشيخ نجار.”

ويوجد في كفر حمرة أكثر من 150 منشأة ومعملاً، وكلها قريبة من الطريق الدولي الذي يربط سوريا بتركيا، بحسب “شرباتي”.

“منشآت متروكة للفوضى”

منذ اندلاع الأحداث في ريف حلب الشمالي وسيطرة الفصائل المسلحة على معظم المناطق هناك، تعرضت المعامل والمنشآت الصناعية لعمليات نهب وتفككيك معدات ونقلها للداخل التركي على يد فصائل مسلحة.

ووصلت ذروة عدد المصانع المسروقة في العام 2013 إلى نحو ألف معمل، وفق اتحاد غرف الصناعة السورية.

وأرسلت دمشق حينها، رسالتين إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة، واعتبرت تصرف تركيا من “أعمال القرصنة والجرائم العابرة للحدود” تستوجب رد فعل دولي.

وطالبت بإلزامها إعادة المعامل إلى أصحابها ودفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت بهم.

وقبلت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ شكوى مقدمة ضد رئيس الحكومة التركية في الثاني والعشرين من نيسان/ أبريل 2014، بتهمٍ، من بينها التورّط في تيسير سرقة معامل حلب والضلوع في تدمير البنية التحتية للاقتصاد السوري.

ووفق مذكرة وزارة الصناعة السورية، حينها، فإن عدد المنشآت المتضررة من حالات السرقة وصل إلى 720 وتقدّر قيمة إجمالي المبالغ المفقودة بـ 196 مليار ليرة سورية.

ومن أصل 150معملاً ومنشأة واقعة على طول الطريق بين حلب وريفها الشمالي، لم تسلم سوى 30 منشأة من التدمير والنهب.

أموال مقابل الحماية

في عام 2013، تعرض معمل نور الدين عطار (55عاماً) وهو اسم مستعار لصاحب منشأة لصباغة الخيط بالقرب من بلدة حيان في ريف الشمالي، للسرقة على يد فصيل يدعى “شهداء بدر”.

ولاسترداد جزء من الآلات، اضطر “عطار” لدفع مبلغ 70 مليون ليرة، “وهو مبلغ كبير في تلك الأيام”.

وبقيت الآلات محفوظة نوعاً ما طيلة سنوات، “ولكن لقاء مبلغ شهري أدفعه لمسلحين من الفصيل ذاته، كانوا اتخذوا من معملي مقراً لهم”، بحسب “عطار”.

ومع دخول القوات الحكومية إلى بلدة حيان، العام الماضي، اضطر صاحب المعمل للاتفاق مع مسلحين موالين للحكومة من نفس البلدة، على دفع مبلغ مليون ليرة شهرياً، لحماية المعمل ومنشأة أصغر منه ملاصقة له.

 “نوعاً ما حافظت على المعمل من الدمار والسرقة التي طالت بقية المعامل.”

وأضاف: “لا يمكن في الوضع الراهن إعادة تشغيل المعمل في ظل الأوضاع الأمنية والاقتصادية المتردية خاصة في منطقة معملي.”

وتغيب الأجهزة الأمنية الحكومية، عن المنطقة، إضافة لعدم توفر أي خدمات. “فالمنطقة تتبع لمسلحين موالين للحكومة أو ما يعرف بالقوى الرديفة.”

هجرة الصناعة

قال عبد الغفور الصابوني (41 عاماً) وهو صاحب منشأة لتصنيع البلاستيك  في ريف حلب الشمالي بالقرب من بلدة بيانون: “الكثير من أصحاب المعامل، ومنهم أنا، تعرضنا لخسائر قاسية ولازلنا نتعرض لها.”

وأضاف: “الحكومة لم تقم بأي إجراء لوقف ظاهرة تعفيش ما تبقى من معامل، كما أنها لم تقم بتجهيز بنية تحتية صناعية ومساعدة الصناعيين على الأقل خدمياً وأمنياً لتفعيل منشآتهم.”

إعداد: نجم الصالح ـ تحرير: محمد القاضي