دمشق – نورث برس
يتجنب خالد عمر (34 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد سكان ريف دمشق، الاختلاط إلا مع عدد قليل من سكان بلدته ولا يخرج منها إلا لقضاء حاجاته وتأمين المستلزمات الضرورية، فيما تقتصر علاقاته الاجتماعية على زيارة بعض الأصدقاء، تخوفاً من الملاحقة والاعتقال مرة أخرى والعودة إلى ما يسميها بـ”الحفرة”.
واختار الشاب “السجن الكبير” بعد أن رأى هول وفظاعة “السجن الصغير”، على حد تعبيره.
ودخل “عمر” أحد معتقلات الحكومة على خلفية مشاركته بالاحتجاجات التي اندلعت في منتصف آذار/ مارس 2011، وبقي معتقلاً لمدة عشرة أشهر، قضى منها 50 يوماً في زنزانة انفرادية تبلغ مساحتها متراً مربعاً وارتفاعها أقل من متر ونصف.
ومنذ الإفراج عنه في العام 2012، يقيم الشاب في بلدته واعتاد على التنقل راجلاً في الحارات الفرعية مبتعداً عن كل ما يمكن أن يصادفه في الشوارع الرئيسية.
“كل شيء أفضل من العودة إلى تلك الحفرة الشبيهة بالقبر، والتي لا ترقى لأن تعيش فيها الحيوانات”، على حد وصفه.
لكن في الأيام التي سبقت إجراء الانتخابات الرئاسية ومع الانتشار المكثف للدوريات الأمنية، وتنقلها المستمر بين الأحياء، “فقد السجن الكبير ميزته الوحيدة بالتنقل والحركة.”
وأشار “عمر” إلى أنه كان على وشك “الوقوع ببراثن إحدى الدوريات التي كانت توقف الشبان، قبل أن يلتجأ إلى أحد المحال التجارية القريبة من منزله لحين ابتعاد الدورية.”
ويعتبر الاعتقال واحد من أبرز وسائل القمع التي لجأت إليها حكومة دمشق على مر العقود الماضية لتثبيت حكمها.
وتنتشر العديد من المعتقلات “سيئة السمعة”، قضى فيها عشرات الآلاف من السوريين سنوات طويلة، فيما فقد آخرون حياتهم فيها.”
“الموت المؤجل”
ولا تتوفر إحصائيات دقيقة لأعداد المعتقلين السياسيين في سوريا، حيث تشير بعض التقارير إلى أن الرقم يتجاوز 130 ألف معتقل، فيما ترجح تقارير أخرى أن الرقم يتجاوز 220 ألف معتقل.
ويعود السبب في ذلك إلى سياسة التعتيم التي تتبعها حكومة دمشق حول الموضوع.
وقال ناصر عبد العال (41 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد عناصر لجان المجتمع المدني، إنه مطلوب للعديد من الأفرع الأمنية بتهم مختلفة منها “اشتراكه بالاحتجاجات ومداواته للمصابين فيها.”
وعلى إثر ذلك، قرر “عبد العال” الاختباء لفترة من الزمن وعدم التنقل من مكان لآخر، خاصة بعد اعتقال مجموعة من أصدقائه.
وبعد عودته لبلدته، عقد قرانه عند شيخ دون تسجيل العقد في القضاء، وبذلك لن يحصل على دفتر عائلة أو بطاقة. ولتدبر أوضاعه المادية بدأ بإعطاء دروس منزلية باللغة الإنكليزية دون أن يفكر ولو للحظة بالخروج من البلدة.
وعلى مدار الأعوام السابقة، كان “عبد العال” يراقب مراسيم العفو التي تصدر من فترة لأخرى والتي شملت مجرمي المخدرات والتهريب وحتى القتل، إلا أنها لم تذكر أي شيء عمن هم بحال أصدقائه في المعتقلات مما جعل نصيحة البعض له بتسليم نفسه وانتظار مرسوم عفو “أشبه بحكم الموت”، على حد قوله.
كما أنه كف عن الخروج من المنزل بعد تحذيرات عديدة من الأصدقاء، من انتشار مجموعة من عناصر الأمن بالزي المدني في البلدة أثناء الانتخابات الرئاسية وتواجدهم في مدخل حيه في إحدى المرات.
“كان عناصر الأمن يوقفون المارة للتأكد من بياناتهم الشخصية بواسطة الفيش”، وفقاً لسكان محليين.
ويجد الملاحق أمنياً أن الضغوط التي تتركها هذه الحالة “غير محتملة، فكل خروج من المنزل قد يعني اللاعودة، وكل خطأ مصيره حكم الموت المؤجل.”
“تاريخ غير منسي”
ووفقاً لإحصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن “968 ألفاً و651 شخصاً تم اعتقالهم منذ بداية الحرب السورية، من قبل أجهزة النظام الأمنية، قضى منهم أكثر من 105 آلاف و902 تحت التعذيب.
وبحسب المرصد فإن أكثر من 83% من المعتقلين جرى تصفيتهم داخل المعتقلات في الفترة الواقعة ما بين شهر أيار/ مايو 2013 وشهر تشرين الأول/أكتوبر من العام ذاته.
ولم تمنع تسمية “باسل وبشار” (27 عاماً) وهما توأمان لإحدى العائلات من ريف طرطوس، الشابين من المشاركة في احتجاجات عام 2011.
وأطلق رب العائلة هذين الاسمين على توأميه تيمناً بأبناء الرئيس السابق حافظ الأسد. وانتقلت الشابان للسكن في دمشق بعد وفاة الأب عام 2006.
وذكر “باسل” لنورث برس، أنهما شاركا بالاحتجاجات والظهور بعدة احتجاجات مسجلة وتسجيل نشاطاتهما على فيسبوك، والمشاركة بمختلف أشكال الحراك حتى عام 2013.
لكنهم توقفوا عن المشاركة مع تحول الحراك إلى العسكرة، “وتحول الاختلاف المذهبي والطائفي إلى مشكلة قد تتسبب بمقتل كل أفراد العائلة.”، حسب قولهم.
وتعرضت والدة الشابين وأخوهم الأصغر لمضايقات من سكان قريتهم في ريف طرطوس، والتي جاءت كرد فعل على مشاركة أفراد العائلة في الاحتجاجات، ما اضطرهما للذهاب إلى دمشق والمكوث مع (باسل وبشار).
وقال “بشار” إنه حتى هذه اللحظة “ما يزال عناصر الحاجز القريب من المنزل يقومون بالتدقيق على كل ما نفعله وتفتيش المنزل أو ما نحضره من مستلزمات بشكل دوري رغم تسوية أوضاعنا.”
وأضاف “بشار” أن “التفتيش دائماً ما يشمل كل شيء بدءاً من الكتب وصولاً إلى تفتيش أجهزة الهاتف والحواسيب الشخصية والتدقيق على الزوار أو الضيوف القادمين إلينا.”