الثقافة الإيرانية تطغى على العمل الكشفي لأطفال في مدينتي نبل والزهراء

ريف حلب ـ نورث برس

لا يمانع علي التقي (44 عاماً) من إرسال طفله ذو التسعة أعوام للالتحاق بالأنشطة الثقافية والرياضية التي تنظمها أفواج الكشافة في مدينة نبل في ريف حلب الشمالي.

لكن ما يتحفظ عليه الرجل هو “الايدلوجية الدينية والأفكار الجهادية على النمط الإيراني” الذي يلقنها مشرفو العمل الكشفي في مدينتي نبل والزهراء الشيعيتين في ريف حلب الشمالي.

“ما يقلقني حقاً هي التعبئة العسكرية والجهادية التي يتم خلالها حشو أدمغة الأطفال، بدل أن يلعبوا ويرسموا ويسبحوا، لا أن يطلب منهم ترديد هتافات وشعارات جهادية كالموت لأميركا أو تحرير القدس.”

وأشار إلى أن البلدتين (نبل والزهراء)، قدمتا “الكثير من الضحايا من خيرة شبابها ونخبها التعليمية، جراء مثل هذه الشعارات، خلال الحرب السورية البائسة.”

ويبلغ تعداد سكان البلدتين نحو 70 ألف نسمة، وتبعدان 20 كم عن مدينة حلب، لكنهما تتبعان إدارياً لمدينة أعزاز.

وأضاف: “نريد للكشافة أن تستمر، ولكن وفق عاداتنا وتقاليدنا وواقعنا أيضاً، وليس وفق الرؤية الإيرانية لأطفالنا.”

أدلجة الأطفال

ومع مطلع العام 2013، بعد بدء الحرب السورية 2011، جرى إنشاء منظمة تعليمية طفولية في نبل والزهراء برعاية رجال دين مقربين من إيران تحت مسمى “كشافة الإمام المهدي.”

وقسمت فرق الكشافة إلى أفواج، انتشرت في معظم مناطق البلدتين، “بهدف جذب الأطفال واحتوائهم ثقافياً ومعرفياً ضمن رؤية دينية مع إيجاد فسحة لعب عبر أنشطة رياضية وترفيهية.”

ويرى حسين شمس الدين (37 عاماً) وهو مدرس رياضيات في مدينة نبل، أن العمل الكشفي “مسيس وغير قادر على إعطاء الطفل أي مساحة للإبداع والتفكير بحرية.”

ويشبه “شمس الدين” العمل الكشفي في نبل والزهراء بـ”نظام عسكري صارم، فهو يستهدف فئات عمرية تبدأ من 6سنوات و لا تتجاوز الـ12عاماً.”

والمطلوب من الطفل في هذا العمر، بحسب الرجل، “الحضور الصباحي للدروس الدينية في المساجد ومن ثم الالتزام بأداء الصلاة والاستماع لخطب رجال دين وحضور المناسبات الدينية.”

وقال “شمس الدين”: “حتى في حالة التخييم والمسير بالطبيعة يكون الوضع أشبه بنظام عسكري يردد الطفل المنتمي للكشافة في اجتماعاته شعارات جهادية دينية.”

وأضاف: “هذه البرامج تقتل ملكة الإبداع لدى أطفالنا وتصنع منهم مقاتلين لا مبدعين.”

وتتجلى مظاهر المد الثقافي الشيعي الإيراني في البلدتين بإحياء ولادات الأئمة الشيعة ووفاتهم ومراسم عاشوراء وبناء المساجد والحسينيات.

وفي شباط/ فبراير الماضي، أعلنت طهران, عن افتتاح مكتب للتقنيات الإيرانية في سوريا، سيكون مهمته نشر المحتوى الديني الإيراني على السوريين.

وطغى التواجد الإيراني والظهور “العسكري والأمني”، على السنوات العشر الماضية، ولا يزال.

ومؤخراً، نقلت تقارير صحفية عن مراقبين، أن إيران تتجه لزيادة تغلغلها في سوريا عبر استبدال أدواتها، وتعمل على تثبيت وجودها وسط البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية السورية، لتضفي الطابع الرسمي على مختلف أنشطتها وتحركاتها في مناطق سيطرة حكومة دمشق.

اهتمام إيراني

وعام 2013، تعرضت بلدتي نبل والزهراء، لحصار من ثلاث جهات دام ثلاث سنوات من قبل فصائل المعارضة (أحرار الشام وجبهة النصرة والجبهة الشامية).

أما الجهة الشمالية فكانت تحت سيطرة وحدات حماية الشعب بعفرين، حيث كانت الإمدادات تصل إلى البلدتين من جهتها.

وتمكن مقاتلون من حزب الله اللبناني وفصائل تابعة لإيران من فك الحصار عن البلدتين في عام 2016 بدعم جوي من الطيران الروسي.

وفي عام 2014 اتهمت شخصيات سورية المستشارية الثقافية الإيرانية بدمشق بممارسة أنشطة تخالف أهدافها المعلنة، لكن رجال دين شيعة سوريين نفوا ذلك.

ولا يقتصر الحضور الإيراني في نبل والزهراء على الجانب العسكري وإنما كان للحضور الثقافي دور بارز حتى قبيل اندلاع الأحداث السورية.

ومع بداية الحرب السورية، انتشر منهج ولاية الفقيه والولاء للمرشد الإيراني، والتي يطلق عليه “التقليد” في العرف الديني الشيعي.

وعمدت إيران لتنجيد مقاتلين من نبل والزهراء عبر رجال الدين من ثم أنشأت جمعيات ثقافية وأفواجاً كشفية للذكور والإناث من خلال توفير إمكانات ودعم مادي.

سياسة ترغيب

وتواصل إيران تطويع مقاتلين من سوريا ضمن فصائل تابعة لها، متبعة سياسة ترغيبية عبر تقديم العديد من العروض لهم واستغلال الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي تمر بها سوريا.

وقال رسول مصطفى (56 عاماً) من سكان بلدة الزهراء، “لو تم استغلال تلك الأموال التي أنفقتها إيران على رجال الدين والأنشطة الدينية بشكل صحيح لما كان الوضع الاقتصادي المتردي في البلدتين.”

لكن ما يهم إيران، بحسب “مصطفى”، هو “نشر أفكارها وتعبئة الشبان والناشئة وحتى الأطفال للقتال في جبهاتها ولخدمة أجندتها.”

بدوره، نفى محمد عبد الستار (30 عاماً) وهو مشرف لأحد أفواج الكشافة في بلدة الزهراء، “التضخيم الذي يتحدث عنه أولياء الأمور، لدور كشافة المهدي على أنه غسيلٌ لعقول الأطفال وتهيئتهم للانخراط لاحقاً بالأعمال العسكرية. هذه اتهامات فيها مبالغة.”

وقال: “العمل الكشفي في نبل والزهراء لا يختلف عنه في كنائس حلب، أي أنه برعاية رجال دين، لكن بهدف إعداد جيل أخلاقي ملتزم.”

إعداد: نجم الصالح ـ تحرير: محمد القاضي