سلبتهم الحرب جزءاً من جسدهم.. أطفال في إدلب يحلمون بطرف صناعي
إدلب – نورث برس
بعيون تفيض بالحزن والحسرة، يشاهد إبراهيم ذو العشرة أعوام، أطفال المخيم وهم يركضون أمامه، ويلعبون بمرح، كرة القدم “اللعبة الأقرب إلى قلبه”، بينما يكتفي بالنظر إليهم.
وفجأة تقترب الكرة منه، ويهمُّ لقذفها، لكنه يتذكر أنه دون قدمين. يلتف باتجاه خيمته مستعيناً بكرسيه المتحرك ليبتعد عن عالم بات “قاسياً ومخيفاً” بالنسبة إليه.
وقبل نزوح إبراهيم البرو منذ نحو عامين من مدينة خان شيخون إلى مخيم في بلدة كفرلوسين، فقد قدميه جراء غارة حربية.
وقبل ستة أشهر تبرَّع أحد الأشخاص ميسوري الحال بتركيب أطراف صناعية لـ”البرو”، لكنه لم يستطع التأقلم معهما، ولم يتمكن من السير بهما، ليستقر به الحال على كرسيه متحرك.
مع ذلك يبقى حظ “البرو” أفضل من وليد الغزال (14 عاماً) الذي يستعين في تحركه على عكازين، حيث لا يزال ينتظر دوره لدى جمعية خيرية للحصول على طرف سفلي.
وفقد الغزال ساقه اليمنى بشظية قذيفة منذ نهاية عام 2019، وأكثر ما يؤلمه أن يجد نفسه مختلفاً، إلى جانب نظرة الشفقة في عيون الآخرين.
“الغزال” الذي ينحدر من مدينة سرمين، يقول لنورث برس: “كنت في طريق عودتي من المدرسة حين سقطت قذيفة في الشارع الذي أسير به، وتسببت بمقتل شخص، وأنا فقدت قدمي، وفقدت معها كل أمل لي في هذه الحياة.”
وكحالة “البرو” و”الغزال”، تعرض العديد من الأطفال في إدلب لبتر أحد أطرافهم، وفقدوا قدرتهم على اللعب والحركة، وبات كل ما يحلمون به هو حصولهم على طرف صناعي يساعدهم على عيش حياة شبه طبيعية.
مراكز بإمكانات محدودة
يربط سامر الأسعد (36 عاماً) وهو اسم مستعار لفني أطراف صناعية في مركز لتركيب الأطراف في مدينة الدانا، ندرة وجود أطراف صناعية مجانية بارتفاع تكاليفها من جهة وزيادة أعداد مصابي الحرب ممن هم بحاجة لمثل هذه الأطراف من جهة أخرى.
وبحسب تقارير منظمة الصحة العالمية، فإن 86 ألف سوري، معظمهم أطفال، انتهت إصابتهم منذ 2011 إلى بتر الأطراف، وينتظرون تقديم المساعدة لهم.
ومنذ عامين، قدّر رئيس منظمة الأطباء الدوليين “مولود يورت ستفن”، نسبة الإصابات ببتر الساق والأذرع في سوريا، بأنها الأكبر في العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
وقال: “نواجه في سوريا أكبر أزمة إصابات في الساق، وبتر أذرع بالعالم منذ الحرب العالمية الثانية”.
وتبلغ تكلفة الطرف الصناعي محلي الصنع ما يتراوح بين 700 و1500 دولار أميركي، بينما تصل تكلفة الأطراف الصناعية الذكية إلى ما يزيد على 30 ألف دولار أميركي، وفقاً “للأسعد”.
ويضيف: “يحتاج الأطفال إلى علاج وخدمات متخصصة، وتختلف احتياجاتهم كأطفال عن احتياجات الكبار.”
معاناة نفسية
لا تكاد الكوابيس تفارق الطفل طلال العلوان (12 عاماً) من منطقة جبل الزاوية، الذي فقد يديه نتيجة انفجار قذيفة دبابة وجدها في أرضهم الزراعية القريبة من حواجز القوات الحكومية.
“كنت مع إخوتي في أرضنا الزراعية حين وجدت قذيفة غير منفجرة، حملتها ومشيت بها، وحين نبهني أحدهم إلى ضرورة عدم لمسها، رميتها على الأرض فانفجرت، ثم وجدت نفسي على سرير المشفى دون يدين.”
يشير “العلوان” إلى أن مرور أكثر من سنة على إصابته لم يقلل من حزنه وعزلته، وحاجته للمساعدة والعون في كل تفاصيل حياته.
وتقول دلال أحمدو(31 عاماً) وهي مختصة بالإرشاد النفسي من مدينة سرمدا لنورث برس: “الكثير من الأطفال يعيشون كوابيس دائمة من شدة الرعب الذي عايشوه في حياتهم اليومية، ومنهم من يدخلون في حالات هستيرية ويفقدون السيطرة على أنفسهم.”
وتشير “أحمدو” إلى أن الأطفال المبتورين يشعرون بالنقص والعجز والسلبية والاستسلام وعدم الشعور بالأمن والاطمئنان، إلى جانب ضعف الثقة بأنفسهم نتيجة التبعية للآخرين والاعتماد عليهم في معظم أمورهم الحياتية.
وتطالب “أحمدو” بضرورة الاهتمام بهذه الفئة التي تسببت الحرب بإصابتهم بإعاقات دائمة، ودعم حقوقهم وتمكينهم من ممارسة دورهم في المجتمع وإعداد مراكز تعليمية مخصصة، وبرامج للتأهيل النفسي والبدني لإعادة دمجهم بالمجتمع، ليتغلبوا على التحديات، ويستعيدوا شيئاً من طفولتهم الضائعة.