هددها بنشر صورها عارية.. آفة الابتزاز الإلكتروني تهدد المجتمع العراقي

أربيل ـ نورث برس

بعد شهر ونصف، بدأت العلاقة بين نور طارق (24 عاماً) وهو اسم مستعار لفتاة عراقية تسكن في بغداد، وشخص تعرفت عليه عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي، تتجه نحو الفتور.

ثلاثة أسابيع من الخوف والقلق وحالة نفسية مزرية، عاشتها “طارق” تحت ضغط ذلك الشخص الذي هددها بنشر صورها عارية على مواقع التواصل الاجتماعي ما لم تخضع لطلباته.

وقالت لنورث برس، إن “ذلك الشخص، وقد علمت لاحقاً أنه كان يحمل اسماً وهمياً، طلب مني مبلغ خمسة آلاف دولار”، وهو مبلغ كبير بالنسبة لفتاة في مقتبل العمر.

وفكرت “طارق” في تأمين المبلغ للخلاص من الابتزاز والاستغلال، لكنها أحجمت عن الموضوع، “إذا أعطيته المبلغ هل أضمن أنه لن يعود لابتزازي مرة أخرى.”

وما كان من الفتاة إلا أن أخذت تماطل مع ذلك الشخص، حتى تتمكن من إيجاد حل لمشكلتها، “التهديد وضعني في حالة رعب وقلق دفعتي لدرجة أن أفكر بالانتحار كي لا أعيش الفضيحة.”

وانتهى كابوس “طارق” بمساعدة صديقة لها، قامت بتقديم بلاغ إلى مركز أمني مرفقاً برقم المبتز وبعض أوصافه العامة على حد علمها، ليصبح في قبضة القوات الأمنية عبر كمين، بعد أيام قليلة من الإبلاغ.

أقرب للظاهرة

ومع التطور التكنولوجي وأدواته، انتشرت ظاهرة الابتزاز الإلكتروني في المجتمعات الشرقية بكثرة، إذ لا يكاد يمر يوم دون الحديث عن وقوع شخص ضحية فخ الابتزاز.

ويرى باحثون اجتماعيون أن غياب قانون خاص من جهة، وتدني مستوى الوعي المجتمعي، تعد أبرز الأسباب المشجعة لعمليات الابتزاز.

وتتكرر مثل هذه العمليات بشكل شبه يومي، عدا التي تبقى طي الكتمان خوفاً من “الفضيحة”.

وكشف عبد الحافظ هادي الجبوري وهو مدير إعلام شرطة المجتمع في العراق، عن تلقيهم العديد من الشكاوى حول تعرض أشخاص لعمليات ابتزاز إلكتروني، وقد تعاملوا معها بـ”حرفية ومهنية”.

لكنه شدد على أن هذه الحالات “ازدادت وأصبحت أقرب للظاهرة، وهي مقلقة جداً”، على حد وصفه.

والشرطة المجتمعية، هي جهة صغيرة من عدة جهات حكومية تعمل على التصدي لحالات الابتزاز الإلكتروني كمديرية مكافحة الإجرام وجهاز الأمن الوطني وغيرها، بحسب ما قال “الجبوري” لنورث برس.

وعي مجتمعي

وشدد المسؤول الأمني على الحاجة إلى نشر الوعي لدى أبناء المجتمع لكبح جماح هذه الظاهرة موجهاً دعوته إلى “المؤسسات الدينية، والعشائرية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني”، بهدف رفع الوعي المجتمعي.

وهذه الظاهرة بدت تهدد السلم الأهلي والأمن المجتمعي، خصوصاً مع عدم وجود قانون رادع ومشدد، بحسب الجبوري، لذا دعا للإسراع في سن قانون الجرائم الإلكترونية.

وقال إن الشرطة المجتمعية نظمت “مئات الحملات”، ركزت على الإناث خصوصاً، في الجامعات والمدارس الثانوية والدوائر الحكومية.

كما تم عقد مؤتمرات وورش عمل لحث السكان على تأمين حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي ولهواتفهم الذكية، وعدم  الانجرار خلف “العلاقات الغرامية عبر الفضاء الإلكتروني.”

وبعض الضحايا وخصوصاً الفتيات والنساء منهن لا ترغبن بتقديم الشكوى لاعتبارات شخصية واجتماعية، وخوفاً من الفضيحة ومن ردة فعل العائلة. لذا تحاول حل مشكلتها بالطرق الودية دون اللجوء إلى القضاء، وهذا ما شدد عليه المسؤول الأمني.

وفي عام ٢٠٢٠، تمكنت الشرطة المجتمعية من معالجة ٦٨٥ حالة ابتزاز إلكتروني، وقريباً سيتم نشر الحصيلة النصف سنوية للعام 2021، بحسب المسؤول الأمني.

غياب القانون

ولا يوجد قانون أو مادة قانونية شرعت خصيصاً لمعالجة قضايا وحالات الابتزاز الإلكتروني، بينما سخرت السلطات العراقية مواداً من قانون العقوبات العراقي المرقم (111) لسنة 1969 المعدل والنافذ، لعلاج مثل هذه الجرائم.

وأنهى البرلمان العراقي الخريف الفائت، قراءته الثانية لمشروع قانون الجرائم الإلكترونية، دون التصويت عليه، إذ واجه اعتراضات بسبب استهدافه لحريات التعبير.

وقالت ريزان شيخ دلير وهي نائبة في مجلس النواب العراقي لنورث برس، إن “حقيقة المشروع آنف الذكر لا تخدم القضية بشكل فعلي بل فيه نوع من تقييد الحريات.”

وشددت على أن مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لا يتضمن مواد تحفظ حقوق السكان من جرائم الابتزاز، بل يهتم بمصالح أمن الدولة والمسائل الأمنية أكثر من اهتمامه بالقضايا المجتمعية.

وأشارت النائبة في لجنة المرأة والأسرة والطفولة، إلى أن إقليم كردستان لديه قانون الجرائم الإلكترونية بشكل منفصل عن القوانين الأخرى التي تهتم بالأمن القومي وغيرها من المسائل الأمنية وهذا ما يفتقر له مشروع القانون العراقي.

لذا دعت “دلير” إلى ضرورة وأهمية وضع قانون خاص بالجرائم الإلكترونية في العراق.

إعداد: حسن حاجي ـ تحرير: معاذ الحمد