مهنة الخياطة.. سبيل لتأمين لقمة عيش نازحات في إدلب
إدلب – نورث برس
بين الملابس والأقمشة والقصاصات المتناثرة، تجلس مروة في خيمتها الصغيرة في مخيم قرية كفريحمول بريف إدلب الشمالي، خلف آلة خياطة يدوية، تنهمك في عملها لتنجز حياكة ثوب لإحدى جاراتها في المخيم.
مروة لم تكن تعمل بهذه المهنة قبل النزوح، لكنها اضطرت لإخراج آلة الخياطة التي تملكها ومسح الغبار عنها، وباشرت العمل عليها بهدف جني بعض المال لتحسين أحوال أسرتها المعيشية التي تدهورت، في ظل ويلات النزوح، وتقطع عمل زوجها كعامل مياومة.
تقول مروة الكريدي (33 عاماً)، وهي نازحة من بلدة جرجناز، لنورث برس: “كانت الخياطة مجرد هواية بالنسبة لي.”
وخسرت المرأة وهي أم لأربعة أولاد، مردود أرضهم الزراعية إلى جانب المحل التجاري الذي كان زوجها يملكه ويعمل به في بيع المواد الغذائية.
ولا تتردد “الكريدي” بتعليم النساء والفتيات الراغبات بتعلم هذه المهنة “لتساعدهن على توفير حياة كريمة.”
وتقبل الكثير من النساء النازحات في إدلب على مهنة الخياطة بهدف تأمين مصدر دخل لهن ولعائلاتهن في ظل الظروف المعيشية، وبهدف الاعتماد على أنفسهن وبخاصة اللواتي فقدن أزواجهن جراء الحرب، ورغبة بتوفير الملابس لذوي الدخل المحدود بعد الغلاء الكبير في أسعار الملابس الجاهزة.
تلبية حاجة المجتمع
تبرز أهمية الخياطة في المخيمات نتيجة البعد عن الأسواق، ولجوء معظم النازحين لرتق الملابس القديمة كحل بديل عن شراء الجديدة التي يعجزون عن شرائها لغلاء أسعارها.
جمانة حبابة (29 عاماً) التي نزحت من بلدة خان السبل إلى مخيم في مدينة سرمدا، لم تكن على دراية بأصول المهنة، لكنها خضعت لدورة مدتها شهرين في مركز لتمكين المرأة.
و تعلمت “حبابة” في تلك المدة، مهنة الخياطة ابتداءً من تصميم الموديل حتى القص والحياكة، واكتسبت خبرة جيدة في هذا المجال، على حد قولها.
وأشارت إلى أنها اختارت هذه المهنة لأنها مهنة منزلية تستطيع القيام بها مع الأعمال الموكلة إليها في المنزل، ودون أن تضطر لترك أطفالها الثلاثة لوحدهم طوال اليوم.
وترى “حبابة”، أن مهنة الخياطة ضرورية في المنزل قبل أي مكان آخر، لحياكة حاجات البيت من ستائر وأقمشة الفرش والوسائد وثياب الأطفال.
وتناقصت أنواع البضائع الموجودة في الأسواق خلال السنوات الأخيرة “بسبب قلة الاستيراد من مختلف المناطق وإغلاق الطرقات والمعابر، مما أدى لارتفاع أسعار الملابس، وزاد الإقبال على الخياطة اليدوية، باعتبار أن جودتها مضمومة بتكلفة قليلة”، بحسب “حبابة”.
لا تخلو مهنة الخياطة من المصاعب “جراء حاجتها للكثير من الوقت، وإهمال رعاية أولادها أحياناً، إلى جانب آلام الظهر جراء الجلوس الطويل، وضيق مساحة الخيمة وانقطاع الكهرباء ولجوئها للطاقة الشمسية لتشغيل ماكينة الخياطة بشكل أسرع.”
تدوير ملابس قديمة
وتقبل الكثير من النازحات على تدوير الملابس القديمة بسبب الغلاء، وتأمين ملابس أولادهن بأسعار قليلة، وهذا ما دفع سارة العبسي (25 عاماً) لتخصيص عملها في تدوير الملابس منذ مقتل زوجها ونزوحها من ريف معرة النعمان إلى بلدة كللي بريف إدلب الشمالي.
و تقول “العبسي”: “لدي معلومات بسيطة عن الخياطة، وبعد وفاة زوجي لجأت إلى جارتي في الخيمة المجاورة لتعلمني أصول مهنة الخياطة لأنفق على نفسي وأولادي دون أن نحتاج لأحد، كما زدت خبرتي من خلال تفصيل ملابس ولديّ.”
وداومت المرأة على التعلم بشكل يومي حتى أصبح بإمكانها استخدام المقص وقص الموديل دون خوف، و اشترت ماكينة خياطة بسيطة مستعملة، وباشرت العمل.
ويشمل عملها تقصير الملابس الطويلة، وتضييق الفضفاضة، وإصلاح القديمة التي لاتزال تحافظ على بعض الرمق، وتركيب السحابات، و هو “عمل رائج في المخيمات”، بحسب “العبسي”.
وتفضل نورة المحمد (39 عاماً) وهي نازحة من مدينة سراقب إلى ذات المخيم، العمل اليدوي على الجاهز، لأنه يمكنها من اختيار نوعية القماش الذي تريده واللون الذي تفضله، وتحرص على لبس ما يميزها عن غيرها.
وتقول “المحمد” لنورث برس، إنها تعمل على شراء ملابس البالة بسعر زهيد لتقوم بتحويلها لقطع جديدة بعد تغيير موديلاتها ومقاساتها، بأسعار مقبولة ومناسبة، في ظل موجة غلاء أسعار الألبسة في الأسواق المحلية والظروف المعيشية القاسية التي تعصف بهم.
وتشير إلى أنها اشترت بعض الملابس القطنية من محلات بيع الملابس المستعملة “البالة” بسعر 10 ليرات تركية، فيما لو أرادت شراء الجديدة من السوق فسيبلغ سعر كل واحدة من القطع التي اشترتها 30 ليرة تركية، على حد قولها.