المسرحي عمران يوسف: عرض “الاعتراف” أكبر من مجرد لعبة يلعبها أشخاص ميتون
القامشلي – نورث برس
قال عمران يوسف وهو مخرج وكاتب مسرحي، السبت، إن العرض المسرحي “الاعتراف” أكبر من مجرد لعبة يلعبها أشخاص ميتون.
ويوسف من مواليد عام 1972 في مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا, تخرج من معهد التربية الفنية في الحسكة وعلم مادة الرسم لمدة 25 عاماً.
وعشق الفنون (الرسم والموسيقا والأدب والمسرح) منذ نعومة أظافره, مع قراءاته الأولى بدأت المحاولات الأولى في الكتابة, من الشعر والقصة وفي السابعة عشرة من عمره كتب أول نص مسرحي وخاض تجربته الأولى في المسرح كاتباً ممثلاً ومخرجاً.
درس الإعلام لمدة سنتين، ولكنه لم يكمل بسبب الظروف المحيطة. يعمل الآن في مجال الإعلام والمسرح مع استمراره في الكتابة، ولديه نصان مسرحيان مطبوعان باللغة الكردية، واحد للكبار والآخر للصغار.
تجربة المسرح
وقال عن تجربته في المسرح لنورث برس، “في مسرحية (في انتظار غودو) لصموئيل بيكيت والذي ينتمي إلى المسرح العبثي، هناك انتظار لشخص يدعى غودو, قد لا يكون شخصاً أو إنساناً، لا نعلم شيئاً عنه ولا يأتي بالطبع.”
وعرض النافذة “ينتظر الشرارة, لشعلة عود كبريت تنير في غرفة مظلمة وهذا يعني الكثير, هذا النص رغم بساطته لكنه يحمل مدلولات عميقة وهذا ما شدني إليه وجعلني أعيد قراءته إخراجياً.”
وأشار إلى أن “انتظار الزوج لرؤية شعلة عود الكبريت التي شاهدها قبل أسبوع تنير لوهلة في البيت المعتم المقابل لشقة الزوجين مرة أخرى، كان محور العرض المسرحي.”
وشدد على أن كل “حوار وصراع بين الزوجين يحمل مدلولات فلسفية عميقة. إنه يجسد صراعاً بين نمطين من التفكير, ورؤيتين مختلفتين إلى الحياة.”
وأضاف: “تكون بين فلسفة تمثلها الزوجة وهي الرضى الكامل عن الحياة المعتادة والحياة اليومية التي تكرر نفسها. أليس الروتين حالة جمود؟ وبين فلسفة الزوج التي تمثل النمط الآخر الحالم والتواق إلى التغيير.”
وتسرد الزوجة في إحدى حواراتها قائلة: “في العصور القديمة كان أمثالك يقتلون أولئك الذين يقفون في الجهة الأخرى ويعادون كل حياة طبيعية.”
“والآن, ألا نعيش جميعنا حالة انتظار؟ ألا ننتظر شرارة تنتشلنا من هذا الواقع الذي يكبلنا ويمنعنا من الحركة؟”، حسب “يوسف”.
وعن محاولة استعادة الزوج، قال عمران: “في هذا العرض نحن أمام فلسفتين مختلفتين ومتناقضتين, لا أعتقد بأن انتظار الزوج لشعلة عود الكبريت نابع عن فضول أو حب اكتشاف, الأمر أعمق من ذلك بكثير.”
ويصف حالة الشخصية، أنها “تتعلق بطبيعة الشخصية ورؤيتها إلى الحياة, ربما هو انبهار وشغف بتلك الشعلة المضيئة وسط الظلام والتي تعني تغييراً كبيراً, وبإمكان شرارة صغيرة أن تبيد مساحة كبيرة من الظلام.”
وأشار إلى أن نص المسرحية “ينتهي بتحول في شخصية الزوجة التي يبدو أنها انبهرت أيضاً برؤية الشعلة, أي أن التغير في الشخصية حدث بعد رؤيتها للشعلة.”
إيحاءات
ولم ينهي “يوسف” العرض هنا، بل جعل الشخصيتين تقومان بإشعال شرارة بعد إطفاء ضوء الغرفة، ليرى الجمهور روعة تلك الشعلة، ولينقل مستوى العرض للصالة والجمهور إيحاءً باستمرار العرض.
وعن الزمان والمكان في العرض، قال: “أضفت ساعة حائط متوقفة دلالة على توقف الزمن, أما الديكور اعتمدت على قطعتين هما كرسيان, كرسي هزاز يمثل جناح الزوجة المتوترة طول العرض بسبب سلوك زوجها الذي تراه غريبا.”
وأشار إلى الكرسي الآخر “يجلس عليه الزوج ويمارس فعل الترقب. وقمت بتحريك الكرسيين خلال مراحل الصراع بين الشخصيتين بما يخدم دلالات الحوار، ويساعد في تجسيم الفعل الدرامي وإضفاء جماليات على المشهدية.”
والعائلة هنا هي عائلة ميسورة الحال، فالزوج شاب في العقد الثالث من العمر مهندس ولديه عمل وزوجة جميلة لم يمضي على زواجهما أكثر من عامين.
وتعمد الكاتب إظهار العائلة بهذا الشكل ليخبر بأن الشخصيتين لا تعانيان من مشاكل مادية أو أسرية، ليتم التركيز على الجانب الرمزي المتعلق بالشرارة، “هذا ما جعلني أغير العنوان من النافذة إلى الشرارة.”
وشدد على أن “حركة جسد الممثل أثناء البكاء وانفعاله العالي، هو رد فعل على الضغط الكبير الذي مارسته الزوجة على الشخصية.”
وأضاف أنه في لحظة الذروة “بلغ الصراع أشده، انفجر انفعال الممثل بكاء، وقد يكون البكاء هنا حالة من الدفاع عن النفس أو انفجاراً داخلياً لانفعالات الشخصية.”
وعن إحساس الشخصية، قال: “قد تكون لحظة شعور بالنصر, هو كان يؤمن بأنه سيرى الشرارة ثانية, بينما كانت الزوجة تشك في ذلك, لا بل تستهزئ منه إلى درجة اتهامه بالجنون.”
والانتصار كان يشبه انتصار معتقد الزوج وفلسفته، عندما شاهد الشرارة تحقق ما كان يحلم به بعد طول انتظار, “ألا يكفي هذا ليعلن سعادته ويحتفل بتلك اللحظة الحاسمة من التغيير؟.”
وأحدثت تلك الشرارة تحولاً في شخصية الزوجة, لقد أدركت ما تعنيه شعلة عود كبريت في غرفة مظلمة, لقد انبهرت بجمال ذلك الضوء.
وبعدها شعرت بالندم واعتذرت من زوجها على كل تلك المعارضة التي أبدتها من أجل أن تحدث زحزحة في موقف زوجها.
مقومات
ويحمل كل عرض مسرحي المقومات الفنية ويجد المتفرج فيه جزءاً من نفسه ومن حياته لا بد أن يتابع, مسرحية (الاعتراف) هي أكبر بكثير من مجرد لعبة.
واللعبة “يلعبها أشخاص ميتون ينتمون لأزمنة غابرة, كل مشاهد للعرض سيجد جزءاً من نفسه في داخل كل شخصية.”
والجانب المخفي في العرض الذي تكشفه الشخصيات خلال اللعبة، هو الجانب الأكثر تأثيراً, “إنها الحقيقة التي تم تغييبها وتشويهها عمداً.”
واختار “يوسف” شخصيات مسرحيته “بعناية فائقة ومدروسة.”
“القيصر الدكتاتور الميكافيلي الذي ترك خلفه تاريخاً مزيفاً (التاريخ الذي يكتبه الأقوياء) أما الحقيقة فهي الحلقة الأضعف في صراعات السلطة.”
وشخصية القاضي رجل العدالة في كل زمان ومكان، هو رجل عنيف بطبعه, لم يكن تحقيق العدالة هدفاً له, بل ممارسة غريزته العنفية التي كبرت معه منذ الطفولة.
وتعاني شخصية الكاهن من عقدة النقص والكبت والذي مارس المجتمع عليه التنمر في طفولته, كيف أصبح رجلاً مقدساً في نظر المجتمع؟.
وتساءل: “كيف لامرأة فاضلة في مجتمع ذكوري أن تعيش حياة طبيعية وما هو مفهوم الفضيلة الرذيلة؟.”
والشخصية الخامسة وهو محرك اللعبة، “وقد اخترت له شخصية الشهيد لأن الفضيلة الكبرى هي التضحية, وفي نفس الوقت هو يمثل الحقيقة المضطهدة في كل زمان ومكان.”
مفاهيم
ويحاول الكاتب في هذه الشخصيات طرح عدة مفاهيم مثيرة للجدل منها (السلطة- العدالة- الفضيلة والشرف- الدين- الحقيقة- الحياة والموت).
ويخاطب العمل المسرحي فكر المتلقي بواسطة العصف الذهني ويغوص في أعماق النفس البشرية.
وعن اعتراف قيصر، قال: “يظهر الوجه البشع لكل دكتاتور, أنه تعرية لشخصية الدكتاتور الذي لا يحب إلا نفسه ويفعل كل شيء في سبيل تعظيم شخصه.”
وأضاف: “لكل دكتاتور قصة تشبه قصة قيصر وإن اختلفت الأحداث، المسرح مرآة الواقع التي نرى عبرها حقيقة ذواتنا، هناك الكثير من الأشخاص في داخلهم يعيش دكتاتور صغير، هو المارد الذي ينتظر فرصة الخروج من القمقم، هذا بالذات ما حدث مع القيصر.”
وعن الفائدة من تقديم شخصية القاضي بهذه الصورة، قال: “تجسيم الفعل على المسرح يجعل المتفرج يرى حقيقة الفعل بصورة أكثر وضوحا، هناك الكثير من المفاهيم التي استقرت في اذهاننا بصورة مشوهة, منها مفهوم العدالة وآليات تطبيقها.”
وقال أيضاً: “نحن معجبون بشريعة حمورابي بالرغم من أنه صاحب نظرية العين بالعين والسن بالسن, أليس هذا قانونا عنيفا؟ مشهد الإعدام هو مشهد صادم وعنيف.”
كما كان إلى جانب الإعدام عقوبات جسدية عنيفة، “ومع ذلك فالكثير منا يؤيد هذه العقوبات ويسعد بتطبيقها, في داخل كل منا يعيش جزء من شخصية هذا القاضي.”
ويعيد الكاتب تأييد العقوبات إلى “مفهومنا للثواب والعقاب, أو يتعلق بتكويننا النفسي والقيم التي استقيناها من ثقافات مجتمعاتنا. ورؤية بشاعة الفعل قد يدفع بعضنا لإعادة النظر بمعتقداته للعقاب وتحقيق العدالة.”
وعن التدين وتدليس الكاهن، قال: “الكاهن صورة مكبرة لرجل الدين في كل زمان ومكان, الكثير منهم مارس التدليس والخداع ونجح في ذلك.”
وأشار إلى أنها “شخصيات مريضة وصلت إلى كرسي الكهنوت بشكل من الأشكال فمارسوا عقدهم على المجتمعات ورغم ذلك أصبحوا أشخاصاً مقدسين.”
وعن ظلم حكايات الحب، قال إنها “امرأة من ملايين النساء اللواتي أصبحن ضحايا المجتمع الذكوري. ترى ما مفهومنا للعلاقات الشرعية والعلاقات غير الشرعية. في حالة شخصية المرأة الفاضة نرى نموذجين من العلاقات.”
نموذجان
والنموذج الأول الذي تحدث عنه “يوسف” هو علاقة هذه المرأة مع زوجها الذي لا تحبه ولم تتزوجه عن حب بل تم فرض هذه العلاقة عليها وهي علاقة شرعية من وجهة نظر المجتمع, وعلاقتها مع حبيبها التي لم تتكلل بالزواج.
و النموذج الثاني “المفهوم التقليدي للمجتمع الذكوري فإن مجرد التفكير بحبيبها وهي امرأة متزوجة يعتبر خيانة, ولكن هل التفكير بالحبيب فعل إرادي؟.”
كما أن “هناك خلل كبير في ذهنية المجتمعات الذكورية وبناء الأسرة فيها, أردت أن أشير الى بعض جوانبه من خلال شخصية المرأة الفاضلة”، بحسب الكاتب.
وعن الميت الخامس، قال: “هو جندي شهيد قتل في ساحة المعركة من أجل الدفاع عن وطنه, بقيت جثته في العراء تنهشها الغربان والوحوش, لذلك لا قبر له.”
ورغم العمل العظيم الذي قام به الجندي، لكن التاريخ لا يذكر هؤلاء الأشخاص, “أردت أن أضفي على هذه الشخصية مجموعة من الدلالات والقيم, هي شخصية تجمع بين الواقع والخيال.”
وعن عمله في الصحافة قال عمران: “عندما أتحدث عن الصحافة، فأنا أعني الصحافة المقروءة بالطبع, هناك ازدياد ملحوظ في عدد الجرائد والمجلات التي تصدر في مناطق شمال شرقي سوريا.”
وأشار إلى أن هذا “شيء جيد، ولكن من حيث المحتوى هناك تشابه كبير بينها وتكرار للمواضيع. جل هذه المجلات هي إما أدبية أو سياسية.”
أما عن الصحافة الالكترونية، قال إن “الخبرية والسياسية منها، فأنها أكثر رواجاً وازدهاراً، وذلك بسبب التوجه العام نحو وسائل التواصل الاجتماعي والانترنت.”
وشدد على أن الصحافة الورقية تحتاج لصحافة متخصصة في مجالات المسرح والسينما مثلا, “ونحتاج إلى مجلات علمية ومعرفية، ويتطلب الكثير من الطاقات والإمكانيات التي يجب أن توظف بشكل صحيح.”
بالمقابل، هناك خلل في التوزيع, فجل هذه الجرائد والمجلات لا تصل ليد القراء، “أقصد النسخ الورقية منها، ولا توجد آليات منظمة لإيصالها ليد القراء.”
واشار إلى أنه “يجب أن يكون لدينا مكتبات ومراكز للتوزيع والبيع, هناك فئة محددة جدا تصلها الصحافة المطبوعة.”