الفوضى والدخلاء “يسيئون” لسمعة طب التجميل في سوريا

دمشق ـ نورث برس

بسرية شبه مُطلقة، توجهت ميسون محمد (38 عاماً) وهي أرملة، من قريتها في صافيتا إلى طبيب تجميل في محافظة اللاذقية لإجراء عملية تجميل لجزء ما في جسدها، والسرية مطلوبة جداً كي لا يعرف أهل زوجها ويتساءلون ما حاجة أرملة لعملية تجميل؟.”

ولم يكن حظ ميسون موفقاً، فكل حيطتها وحذرها فضحتها الأعراض التي أصيبت فيها، حيث بدأت تظهر عليها أعراض مرض راح يتفاقم كل يوم، حتى وصلت إلى مرحلة صدمة أدخلتها المستشفى.

وما بين الذهول مما ألم بتلك السيدة، والحزن على طفلها الوحيد الذي فقد أباه وأصبح من المحتمل أن يفقد أمه، ماتت ميسون وانكشفت القصة.

والقصة هي أنها ذهبت لإجراء هذه العملية، ولكن تبين أن اختصاص الطبيب الذي قصدته هو جراحة عظمية، ودخل عالم التجميل لكثرة عوائده.

وقبل أن تفارق ميسون الحياة فرَّ الطبيب خارج سوريا، دون أن ينال عقابه، بل إن عائلة ميسون تجنبوا الشكوى “كيلا تزداد الفضائح.”

هذه القصة ليست وحيدة، فهنالك “اعتداء كبير” على هذا الاختصاص، وهذا ما قاله أيهم علي (45 عاماً) وهو اسم مستعار لطبيب تجميل يعمل في منطقة جرمانا بدمشق.

وأضاف “علي”: “وزارة الصحة تساهلت، حتى أصبح عامل الصحية  يكتب على لوحته حقن بوتوكس وتقشير بشرة وحقن مواد مالئة. ومن يتابع مراكز التجميل وشهادات أصحابها يمكنه أن يكتشف حجم الفوضى في هذا المجال.”

أنواع سيئة

لا يقتصر الإهمال على الاعتداء على الاختصاص، فهنالك أيضاً فوضى في أنواع المواد المستخدمة بالتجميل.

واعتادت منال أحمد (40 عاماً)، وهو اسم مستعار لإحدى سكان دمشق، متزوجة برجل تكبره بسنوات، وموظفة في مديرية القطاع الحكومي، على ارتياد عيادات التجميل.

ولكن ما يقلقها الآن، هو أنواع المواد المستخدمة في الحقن والتي تدخل البلاد عن طريق التهريب، دون الخضوع لرقابة وزارة الصحة، إضافة إلى كثرة الدخلاء الذين يعملون في التجميل كأن يعمل طبيب أسنان في حقن الفيلر أو التجميل نتيجة الأرباح التي يحققها العمل بالتجميل.

وقالت: “من اعتاد على ارتياد الصالونات سيقطع عن نفسه الطعام، والشائع الدخول في جمعيات وتخصيص مبالغها لعمليات التجميل أو للتجمل بحقن المواد.”

أما لمياء عبد الله (42 عاماً) من سكان حي المهاجرين بدمشق، فقد كانت فرحتها لا توصف بعدما حصلت على زيادة دخلها من عمل إضافي.

وكانت الزيادة كلها من نصيب أطباء التجميل، لجلسات حقن الوجه وتقشير بشرة. والمشكلة أنها بعد وقت قصير من دفع كل تلك الآلاف، اكتشفت أن كل ما خضعت له لم يعد بنتيجة.

ولكنها تقول إنها “ستستمر بهذه المحاولات ريثما تتزوج.”

ويقتصر التجميل الذي تقوم به لمى عيسى (39 عاماً) على حقن البوتوكس حول العينين والجبهة.

وتقول إنها “كررت الحقن خلال عدة أشهر مرتين، لأن الأولى لم تكن موفقة، وأخبرها الطبيب أن السبب في نوعية المواد المستخدمة حالياً، إذ أن النوع الكوري أقل جودة من الفرنسي أو السويسري الذي كان يستخدم سابقاً.”

ويبلغ سعر السنتمتر من البوتوكس والفيلر من النوع الأوروبي، 100 دولار أميركي، في حين ينخفض سعر الكوري والصيني إلى أقل من ذلك بكثير لكنه غير مرغوب، بحسب أطباء تجميل.

وأشاروا إلى أن من يقوم بحقن هذه المواد يخيّر الزبون بين النوع الذي يريد استخدامه سواء كان صيني أو كوري أو أوروبي، ويحدد سعر كل مادة تبعاً لبلد المنشأ، وعلى طالبة التجميل أن تختار تبعاً للميزانية.

تراجعُ الزبائن

تحتاج بعض عيادات التجميل إلى حجز موعد مسبق قبل أشهر بسبب الازدحام، في حين يشدد وائل العبدالله وهو اسم مستعار لطبيب تجميل وعضو في نقابة أطباء التجميل، على أن هناك تراجعاً في عدد عمليات التجميل بسبب انتشار كورونا والأوضاع الاقتصادية.

وبحسب الطبيب، “بلغت نسبة تراجع عمليات التجميل أكثر من 60%.”

ويقول: “أغلب الزبائن حالياً هم لعمليات لها تشخيص طبي وضرورية كالترميم والتشوهات الخلقية أو الرضوض والأورام، والترهلات وعواقب الولادة والتقدم بالعمر للشريحة بين 45 -60 عاماً، وكذلك تشوهات الأنف الشديدة الناتجة عن رض أو تشوهات خلقية.”

ويضيف “العبدالله”: “المواد المستخدمة  للتجميل من قبل شركات خاصة سعرها مرتفع جداً، وأن الأسعار ارتفعت خلال عام واحد أكثر من 3 أضعاف.”

وتأتي المواد التجميلية من شركات لها وكالات ولديها مواد ومخزون، أما بقية المواد، كالبوتكس فتأتي من الصين ومنها مواد جيدة ومسجلة في وزارة الصحة، “لذلك سعرها مرتفع.”

وعن عدد أطباء التجميل المسجلين بالرابطة، قال عضو نقابة أطباء التجميل، إن “العدد يصل إلى 200 طبيب مرخص، وأن المتعدين على المهنة كثر ممن يعملون دون ترخيص، وهذا الأمر يحتاج إلى ضبط من قبل وزارة الصحة.”

كما يتطلب الأمر “متابعة للمشافي الخاصة وفرض عقوبات عند قيامهم بأي عمل تجميلي من قبل أطباء غير مختصين بالتجميل. وهذا ما سيحد من المخالفات.”

أخطاء كثيرة

وصلت الكثير من الشكاوى التي يتم تحويلها لنقابة الأطباء أو الوزارة، جراء الأخطاء الطبية التي تحصل في عمليات التجميل، بحسب الطبيب.

وقال “العبدالله”: “هنالك ما لا يقل عن 2-3 حالات أسبوعية تقصد عيادتي لعلاج اختلاطات ما بعد العمل الجراحي، وبعضها تشوهات لا تصلح مهما عمل عليها.”

لكل ما سبق، يشدد “العبدالله” على ضرورة اتخاذ إجراءات فورية من قبل الجهات الناظمة، ومنع السماح بفتح مراكز غير مؤهلة.

وأشار لمخالفات أخرى تحصل على الملأ، كـ”نشر إعلانات في الشوارع ودعايات لأعمال طبية. ترى هل يحق لجهات طبية أن تنشر إعلانات في الشوارع ودعايات لأعمال طبية غير نظامية وغير قانونية، ويحصلون على شهادات يعلقونها في الصالونات بمبالغ تصل إلى مئات الآلاف، وتؤهلهم للعمل.”

ويرى طبيب التجميل والعضو في نقابة أطباء التجميل، أن أداء هذه المراكز وأخطاء العاملين فيها، “تسيء لسمعة طب التجميل في البلاد.”

إعداد: ريتا علي ـ تحرير: معاذ الحمد