موتى دون قبور .. أموات في العاصمة يدفنون فوق بعضهم البعض

دمشق – نورث برس

“بإمكانك الحصول على منزل في هذه المنطقة بكل سهولة، لكن ليس الحصول على القبر هنا بالمثل، حتى لو دفعت نفس سعر المنزل!”

هكذا يعبر إحسان مرعي، متهكماً، وهو أحد سكان حي العمارة بالعاصمة دمشق، عن معاناة الدمشقيين لتأمين قبور لموتاهم في العاصمة، وهو يصف في حديثه حال مقبرة الدحداح في شارع بغداد، أحد أكبر المقابر في دمشق.

ويعاني سكان دمشق وريفها من صعوبة الحصول على قبر لأمواتهم، بظل محدودية مساحة الأراضي المخصصة للقبور، والازدياد في عدد الوفيات نتيجة الحرب الدائرة بالإضافة إلى ما أفرزته أزمة وباء كورونا من فاجعة إضافية للسكان.

ويقول “مرعي” (47 عاماً)، وهو صاحب محل خياطة في شارع بغداد بدمشق، متزوج وله 3 أولاد، لنورث برس، إن العديد من الناس أصبحت تتوجه بموتاها خارج العاصمة للدفن.

وتعاني دمشق من نقص حاد في عدد المقابر بالمقارنة مع عدد السكان، فقد بلغ عدد المقابر حوالي 33 مقبرة في دمشق وبمساحات محدودة منذ زمن بعيد، مع انخفاض مستوى المعيشة لتدخل أزمة السوريين من عالم الأحياء لعالم الأموات.

ويذكر “مرعي” أن الحصول على قبر أصبح حلماً، ولم يعد باستطاعة السكان تأمين قبور لموتاهم في العاصمة، لهذا لجئ العديد منهم لمقابر خارج العاصمة، وأهمها مقبرة “نجها” بريف دمشق.

إضافة إلى غيرها من الأزمات، بات دفن الموتى أزمة يعاني منها سكان العاصمة، حيث بلغت أسعار القبور أرقام خيالية، بالإضافة إلى تكاليف رسوم الدفن بشكل عام.

قبور طابقية

يقول يوسف الغاوي (36 عاماً)، المقيم في ركن الدين بالعاصمة دمشق، ويعمل كتاجر جملة، لنورث برس، أن عائلته لجأت للقبور الطابقية لدفن والده في الشتاء الماضي.

ويضيف قائلاً: “من أجل تخفيف التكاليف الباهظة لشراء قبر في مقبرة قريبة من مكان إقامته، اضطررت لدفن والدي في قبر أحد المتوفين من عائلة صديق لي.”

ويتابع قد تبلغ كلفة القبر 7 مليون ليرة بين دفع ما يسمى بـ “التنازل عن استحقاق الدفن” لمكتب الدفن في المقبرة والدفع لصاحب القبر المُشترى، في حين كلفني استخدام القبر الطابقي 700 ألف ليرة.”

وفي العام 2018، أصدر المكتب التنفيذي في محافظة دمشق القرار 1020، بهدف جعل عملية التنازل عن القبور صعبة على الناس. وذك بهدف الحد من تلك العمليات، حسب المكتب.

 وفرض المكتب رسماً على العملية التي تعرف رسمياً بـ (التنازل عن استحقاق الدفن) ويتراوح بين 3 إلى 4 ملايين ليرة، وهذه القيمة يدفعها من يريد الحصول على استحقاق دفن في أحد المقابر.

وأشار “الغاوي” إلى أن موضوع “الاستضافة” التي تلجأ إليه بعض العائلات، حيث يُدفن الميت في قبر لميت آخر بعد موافقة أهل الأخير، وشرط أن يكون قد مضى خمس سنوات على دفنه.

ويقول: “مع إنسانية هذا الطرح والحس المشترك بالمعاناة، لكنه يخلق مشاكل كبيرة بأحقية تملك القبر، لا يمكن حسمها إلا بالقضاء، وبعضها يتعدى مشكلة الملكية ليصل حد فقدان أثر المتوفى.

أخف وطأة

يقارن فارس كاتبة (33 عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد العاملين بمقبرة في مدينة جرمانا بريف دمشق، مقيم في المدينة نفسها، بين حال المقابر وإجراءات الدفن بالعاصمة وريفها.

حيث يقول: “على الرغم من ارتفاع التكاليف بالريف أيضاً بما لا يتناسب مع أجور السكان فيه وحالاتهم المادية مقارنة بيسر الحال في المدينة نسبياً، تبقى تكاليف الدفن هنا أخف وطأة على العائلات.”

ويتابع: ” المقابر هنا مملوكة للأوقاف أو بتبرعات من “فاعلي الخير” وهذا كان يسهل على الناس دفن موتاهم، فمن الممكن أن تترتب عليهم أجرة حفر القبر والمواد الأولية لبنائه وهذه عادة ما يتبرع بها فاعلي الخير أيضاً.”

وذكر “كاتبة” أن تكلفة شراء القبر في الريف تتراوح بين 150-200 ألف ليرة، “وهو مبلغ كبير بالنسبة للسكان الريفيين لكنه لا يقارن بأي شكل كان مع الأرقام الخيالية في العاصمة.”

وأضاف “كاتبة” إلى أن هذه التكلفة في ارتفاع دائم في الآونة الأخيرة، وذلك بسبب ارتفاع عدد الوفيات بسبب الوباء بالإضافة إلى ازدياد الطلب على القبور من قبل السكان الأصليين والوافدين الدمشقيين.

وأشار قائلاً: “بسبب ذروة انتشار الفايروس في الأشهر القليلة الماضية، افتتحت مقابر جديدة، وهذا بدوره أدى إلى زيادة التكلفة، فقد وصلت التكلفة إلى 500 ألف في بعض الأحيان.”

إعداد: رغد العيسى – تحرير: هوشنك حسن