دمشق – نورث برس
مع مرور عشر سنوات على الحرب في سوريا، تغير شكل العمل الذي يقوم به إياد لطف الله (49 عاماً) وهو اسم مستعار لمحامٍ يعمل في دمشق، والقضايا التي يتولاها.
وذكر المحامي الذي يقيم في حي التجارة، أنه مع ارتفاع معدلات الهجرة، وزيادة أعداد المهاجرين شكل تسيير أمور وأوراق المهاجرين أبرز الأعمال التي يقوم بها هو والعديد من المحاميين الأخرين.
“التوكل بالقضايا الكبيرة مثل الخلافات على الأملاك أو القضايا التجارية أو غيرها من القضايا غير مضمون، نظراً لما يمكن أن يدفع للقاضي فيغير بالحكم لجهة الرشوة، أو طول الوقت الذي تلزمه جلسات ومرافعات مثل هذا النوع من القضايا، وخسارة السمعة في حال خسارة القضية.”
وشكل تقطع أوصال المناطق في سوريا عن بعضها، إلى جانب ازدياد أعداد المهاجرين وحاجتهم إلى تسيير أمورهم، وإنجاز أوراقهم الرسمية، ضرورة إيجاد عمل جديد يتولى المحامون إنجازه.
وبات تسيير الأوراق الرسمية أهم مصدر لتحقيق دخل للمحامين في السنوات الماضية.
وأضاف “لطف الله”: “كل ذلك دفعني للاكتفاء بتولي أمور مثل تثبيت الزواج والطلاق وحالات الولادة والاستقالة من الوظيفة العامة، وغيرها من الأمور التي يحتاجها المغتربون، مستفيداً من العلاقات الاجتماعية والسمعة الطيبة التي كسبتها قبل بدء الحرب.”
وأشار إلى أنه قام إلى جانب العديد من المحاميين الموجودين في مختلف محافظات ومناطق سوريا بالتعاون على إنجاز الأوراق كلٌّ بحسب مكان تواجده.
وأعرب المحامي عن حزنه على “الجهد الكبير الذي بذلته في الدراسة في ظروف كانت صعبة على عائلتي، واضطراري بعد ذلك إلى التحول إلى ما يشبه معقب معاملات لكن بشهادة محامٍ. حسنٌ ذلك أفضل من أن يجوع أطفالي.”
صعوبات قديمة متجددة
وتأثرت مهنة المحاماة كغيرها من المهن جراء الحرب في سوريا، وإن كانت المهنة تعاني من مشاكل قديمة أبرزها “فساد الجهاز القضائي”، إلا أن السنوات العشر الأخيرة أضافت لها العديد من المشاكل الأخرى، وفاقمت القديمة منها.
ويقول ماجد الحلبي (47 عاماً) وهو اسم مستعار لمحامٍ يعمل في دمشق، لنورث برس، إن مهنة المحاماة بدأت تشهد تراجعاً مع تراجع سلطة الدولة وانكفاء مناطق سيطرتها.
وذكر المحامي الذي يقطن حي كفرسوسة، أنه ما بين عامي 2012-2018 كانت المحاكم تؤجل أو تعقد غيابياً، والقضايا تبقى عالقة لعدم قدرة أجهزة الأمن والدولة على تبليغ المدعى عليهم أو إحضارهم إلى مقار المحاكم لحضور الجلسات.
“في هذه الفترة أيضا برزت قوى وأمراء حرب، وازداد التدخل في القضاء الذي كان يعاني أساساً من الفساد، ما جعله عاجزاً عن إحقاق الحق في القضايا، إما بسبب فساده، أو بسبب ضغوط عديدة تمارس عليه من السلطات والمتنفذين.”
وأشار “الحلبي” إلى أن العديد من المحاميين تلقوا تهديدات على حياتهم وحياة أفراد عائلتهم في ذلك الحين، خاصة مع تخوفهم من الوضع الحالي، خاصة وأن “الطاسة ضايعة والواحد بيروح من كيس حاله.”
قرار خاطئ
ولم يكن عباس الحسين (54 عاماً)، وهو اسم مستعار لمحام في دمشق، يعلم أن قرار العودة من ألمانيا والتخلي عن الإقامة بداية عام 2011 إلى سوريا، لممارسة مهنته هو أسوء قرار اتخذه في حياته وأنه سيندم عليه طويلاً لما آل إليه وضع مهنة المحاماة.
واتخذ “الحسين” قرار العودة إلى سوريا بسبب صعوبة تعديل شهادته في ألمانيا لجهة اختلاف القوانين، وحاجز اللغة، خاصة وأن وضعه المعيشي كان “ممتازاً” والعمل في أوجه لحظة عودته.
وقال “الحسين” الذي يقيم في حي المزرعة في دمشق: “عندما قررت العودة، كانت الأوضاع مختلفة، كنت محامياً للعديد من الشركات الأجنبية وأملك سمعةً حسنة بين سكان العاصمة.”
وأضاف: “لو كنت عالماً بما سيؤول إليه حالي، لما تخليت عن الإقامة التي كان يكفي أن أقوم أنا وعائلتي بزيارة سنوية لألمانيا لتجديدها.”
وأشار إلى أن انسحاب الشركات الأجنبية من العمل من سوريا خوفاً من أن تطالها العقوبات كان أبرز سبب لتضرر عمله.
وبلهجة تملئها الحسرة قال المحامي: “الآن ضاعت الإقامة وضاعت جهود كثيرة بذلتها في العمل حتى وصلت إلى ما أنا عليه.”