دمشق .. مدارس الحكومة “تهمش” الطلبة ودورات خصوصية غالية
دمشق – نورث برس
أمست الدورات المكثفة، لطلاب الشهادات، قبل الامتحانات في دمشق، مثل أي سلعة أخرى، تعرض وتُسعّر، وتتغير أسعارها من منطقة إلى أخرى ومن مدرّس لآخر، هكذا تصف سميرة يوسف معاناتها مع الدروس الخصوصية لابنيها، قبيل بدء امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية.
وتقول سميرة يوسف (39 عاماً)، وهو اسم مستعار لموظفة في أحد شركات القطاع الخاص بدمشق، وتقيم في حي باب شرقي، إن سوء التدريس في المدارس دفعها للتواصل مع أساتذة لتقديم دروس خصوصية لأولادها.
وبعد نشوب الحرب في سوريا يشوب العملية التعلمية الكثير من التقصير الذي يتعدى المدارس إلى الجامعات والمعاهد أيضاً.
وتضيف: “أحد أولادي مقبلٌ على امتحان الشهادة الإعدادية (الصف التاسع) هذا العام، وانصدمت بمقدار المعلومات غير الموضحة في المنهاج من قبل أساتذة المدرسة.”
وتشير إلى أن ابنها “دائما ما كان يشتكي من سوء الإعطاء، بالإضافة إلى صعوبة المنهاج الحديث، وبسبب عدم قدرتي على متابعته نظراً لطول وقت العمل وعدم معرفتي الكافية بكل المواد، قررت اللجوء إلى مدرسين متخصصين في المواد الأساسية.”
وتصف “يوسف” أجور المدرسين بالتي “لا يتحملها عاقل” في كثير من الأحيان، وقد تصل الجلسة الواحدة لـ 20 ألف ليرة سورية وهي “لا تتعدى الساعة أحياناً!.”
ويعاني السكان في مناطق حكومة دمشق من ظروف اقتصادية صعبة، وسط انهيار تاريخي لقيمة الليرة السورية أمام الدولار الأميركي.
وتشهد العاصمة دمشق انتشاراً كبيراً لهذه الظاهرة الآخذة في التوسع، والتي تتوزع بين الدروس في المنزل إضافة للمعاهد الخاصة ومنها غير المرخصة، والتي تضيف عبئاً اقتصادياً جديداً يجثم على صدور السكان، وسط عجز الكثيرين عن التسجيل فيها.
وتبدأ الدورات المكثفة التي تعتبر مراجعة لأساسيات المادة، في الشهر الأخير الذي يسبق الامتحانات.
والأحد القادم تبدأ امتحانات طلاب الشهادة الإعدادية، والاثنين لطلاب الشهادة الثانوية.
وتختلف أجور الدروس الخصوصية باختلاف المكان والأساتذة، وتتراوح بشكل عام بين 10-30 ألف ليرة سورية للجلسة الواحدة، وقد تتجاوز مع بعض الأساتذة المشهورين ولأبناء الطبقات الغنية الـ 50 ألف ليرة.
مشاكل عديدة
ويتعرض الطلاب للعديد من المشاكل أثناء دراسة المنهاج الجديد الذي طرحته وزارة التربية التابعة لحكومة دمشق خلال السنوات الأربع الماضية، وقيامه على آلية تعليم غير متاحة في المدارس العامة.
ويعتمد المنهاج على أسلوب تعليم لم يطرح في سوريا من قبل، إذ أن أغلب المواد الدراسية تحتاج لمشاركة بين المُدرّس والطالب؛ في البحث عن المعلومة، إضافة للتجارب العلمية وحلقات البحث والنمط التشاركي، وهو الأسلوب الذي يختلف تماماً عن أسلوب التعليم التلقيني المتبع منذ عقود.
وقال محمد بحري (18 عاماً) وهو اسم مستعار لطالب في الصف الثالث الثانوي (بكالوريا) الفرع العلمي، لنورث برس، إنه التزم بالدوام المدرسي والدراسة المنزلية محاولاً تجنيب ذويه تكاليف الدروس الخصوصية.
وذكر “بحري” المقيم في حي ساروجة، أن محاولاته لفهم المنهاج لوحده “باءت بالفشل”، وأن العديد من أساتذة مدرسته لم ينجحوا بإيصال الأفكار له، خاصة أن بعضهم يدرس المنهاج للمرة الأولى، والباقي يصل الصف منهكاً من الدروس الخصوصية التي يلزم بإعطائها.
وأضاف: “سجلت بأحد المعاهد القريبة، لتخفيف التكلفة المادية، لأتفاجأ بعدد الطلاب الموجودين في القاعة من قبل إدارة المعهد، وتحولها إلى ما يشبه الصف الدراسي.”
ويشتكي الطالب المقبل على الامتحانات، من تكلفة نسخ النوط الدراسية التي يوزعها المعهد لتكون باباً جديداً للربح بالنسبة لهم، حيث تكون تكلفة طباعتها أعلى بمعدل الضعف مما لو طبعت في الخارج، وفقاً له.
تبريرات عديدة
وبينما تثقل هذه الظاهرة كاهل ذوي الطلبة، يبرر المدرسون ذلك بـ “عدم القدرة على تأمين احتياجاتهم الأساسية بسبب الغلاء وانخفاض أجور المدرسين في المدارس العامة بشكل خاص.”
ومطلع آذار /مارس الماضي، صرح وزير التربية في حكومة دمشق، لصحيفة الوطن شبه الرسمية، بأن الوزارة تعمل على تقليل الدروس الخصوصية، وأن الضابطة العدلية ستقوم بملاحقة من يقوم بإعطاء دروس خصوصية في منزله.
وقال حمزة الراضي (43 عاماً)، وهو اسم مستعار لمدرس مادة فيزياء، لنورث برس، إن سوء وضعه المعيشي هو وعائلته دفعه لتدريس بعض الطلاب في المنزل.
وأضاف المدرس المقيم في حي جرمانا بريف دمشق: “أقوم بتدريس 6 طلاب بكالوريا في المنزل حالياً، وأحاول قدر الإمكان ألا أرفع أسعار دروسي بما يتناسب مع الوضع العام وقدرة الطلاب على الدفع.”
وأشار إلى أن راتبه الذي يتقاضاه من الحكومة “لا يكفيني خمسة أيام، ولا يمكن العيش من دون مصدر رزق أخر”، وأشار إلى أنه يتقاضى 12 ألف ليرة لقاء الجلسة الواحدة من كل طالب.
وكشف “حمزة” عن وجود حلقات فساد واستغلال تتبعها المعاهد الخاصة في تعاملها مع المدرسين، حيث يوضح من خلال تجربته الخاصة مع أحد المعاهد في منطقة البرامكة بدمشق مدى هذا الاستغلال.
وقال: “لقد كانت رسوم الاشتراك التي يدفعها الطلاب عالية جداً، قد تصل إلى 40 ألف أحياناً للمادة الواحدة، بالمقابل كانت أجور الأساتذة متدنية وغير متناسبة مع الوقت والجهد المبذول.”
وأشار “حمزة” إلى ازدياد ملحوظ في عدد المعاهد الخاصة في دمشق وريفها، حيث أصبح يبلغ عددها بالمئات خلال مدة تقل عن ثلاث سنوات.