تردي الوضع المعيشي ينعش سوق الأعمال اليدوية في دمشق

دمشق – نورث برس

لم تتوقع “علا” أن تصبح هوايتها في صناعة الإكسسوارات، والتي كانت متعلقة بها بشدة منذ صغرها، بداية لمشروع سيوفر لعائلتها بعض احتياجاتها.

وفي الفترة الأخيرة، ازداد عدد رواد الأعمال اليدوية في دمشق بشكل ملحوظ والتي اعتبرت في فترة قريبة مهددة بالانقراض نتيجة التطور التكنولوجي والمنافسة في السوق للبضائع المستوردة.

وتقول علا الشبلي (30 عاماً)، وهي تعمل في صناعة الإكسسوارات لأحد المحال في التكية السليمانية بمدينة دمشق، لنورث برس, إنها امتهنت هذه الصناعة منذ عامين.

وتقيم ” الشبلي” مع زوجها وطفليها في بلدة جديدة عرطوز بريف دمشق، وبدأت بالعمل مع فقدان زوجها لعمله بسبب إغلاق شركته.

وأضافت أنها فقدت منزلها مع نزوحها من بلدة بيت سحم في الغوطة الشرقية، وكادت أن تفقده مرة أخرى مع خسارة زوجها لعمله، لو لم تعمل في صناعة الإكسسوارات.

واعتادت “الشبلي” صناعة الإكسسوارات لنفسها باستخدام المعادن والخرز والخيطان والجلد والمطاط، وارتدائها في المناسبات.

 فيما لفتت هذه القطع أنظار كثيرين وتلقت صانعتها تشجيع الكثير من صديقاتها عليها لتحضير تصاميم خاصة لهم.

وأشارت “الشبلي” إلى أن “كل هذا دفعني إلى تطوير مهارتي وزيادة قاعدة زبائني بشكل تدريجي.”

استثمار هواية

وهكذا تحول الأمر بالمرأة إلى استثمار بسيط، حيث “أصبحت أبيع ما أصنعه لمحال مختلفة في دمشق، إضافة لتنفيذ تصاميم خاصة بحسب الطلبات.”

 ويأتي ازدياد هذه الأعمال في ظل غياب الآليات الفعالة من الحكومة والمنظمات المعنية لحماية هذه الأعمال اليدوية من الاندثار.

ويعد العامل الاقتصادي والمعيشي الدافع الرئيس للسكان لامتهان العديد من هذه الحرف وإحيائها، إما من خلال تعلمها “كمصلحة” أو من خلال تطويرها من موهبة وهواية لمشروع استثماري بسيط.

فيما يشكل غلاء الإكسسوارات التقليدية وإمكانية طلب تصاميم خاصة من المشغلين دافعاً للسكان لاعتماد البدائل اليدوية عن الصناعية.

“بسطة صغيرة”

ويقول رامي عاشور (34 عاماً)، وهو موظف في القطاع العام يقيم في حي الميدان، إنه ورث مهنة الرسم على الرمل من والده الذي كان يعمل بها في أحد أحياء مدينة حلب.

ويضيف، لنورث برس, أن “هذه المهنة كانت على وشك الانقراض، فقد كان والدي من بين قلة كانوا يمتهنون هذه الحرفة.”

وكان والد “عاشور” يمتهن أعمالاً يدوية مثل الكتابة على حبة الأرز والحفر بالصدف وصناعة التحف بنواة التمر, بحسب “عاشور”.

ويقول: “لجأت لممارسة المهنة وبيع المنتجات لمحال مختلفة في دمشق مع تردي الوضع المعيشي، وكانت بدايتي موفقة والمردود كان يكفيني.”

 لكن الأن بعد هذا الغلاء الكبير “أصبح دخلي ضعيف، وأفكر في أن أفتح بسطة صغيرة مستقلة أعمل عليها بعد الظهر”, على حد قوله.

وأشار “عاشور” إلى أن مهنة الرسم على الرمل تُعتبر من المهن ذات المواد الأولية الرخيصة نسبياً والمتوفرة.

 ويستخدم في هذه المهنة رمل الكوارتز أو رمل المازار المتوفر بكثرة في جبال القلمون شمال العاصمة دمشق، وفقاً لـ “عاشور”.

حرف متوارثة

ويعتبر الشارع المحاذي للجامع الأموي بدمشق، مركزاً لشراء ومشاهدة الأعمال اليدوية، وذلك لكثرة محال الأعمال اليدوية هناك.

وتنتشر في المحال منتجات الأغباني التي تعد من أجمل الحرف التي امتهنها السوريون، حيث يقومون بتطريز القماش بأنواعه المختلفة من أغطية طاولات وستائر للنوافذ والعباءات الشرقية.

و”الأغباني” حرفة يدوية بالكامل تصنع من خيوط الحرير الطبيعي والذهب والقصب وتطرّز بالإبرة نقوش نافرة على القماش بخيوط مختلفة الألوان.”

 وهذا ما يميز حرفة الأغباني عن الأقمشة الدمشقية الأخرى كالبروكار ومصنوعات الحرير بأنواعها.

وتقول رولا خليل (44 عاماً)، التي تعمل مع أحد الورش المخصصة لتصنيع الأغباني في سوق مدحت باشا بدمشق، وتقيم في ضاحية قدسيا، إنها تعمل في التطريز منذ 19 عاماً.

وتضيف, لنورث برس: “بدأت العمل في البداية بالورشة ومن ثم أصبحت قادرة على العمل من المنزل.”

ويحتاج عملها فقط “لطارة خشبية وبعض أنواع الخيوط الخاصة في عملية التطريز على الأغباني.”

وتختص “خليل” بعملية التطريز حيث تقوم بإنجاز الرسوم بخيطان متنوعة وإبر خاصة ، بحسب الطلب، وتكون خيوط التطريز بألوان عديدة، منها الذهبي والأخضر والأزرق والبيج والعسلي.

وذكرت المرأة أنها نقلت المهنة إلى ابنتيها لمساعدتها في عملها، الأمر الذي زاد من الإنتاجية وسرعة العمل والقدرة على تحقيق إيرادات أعلى في ظل الغلاء.

إعداد: رغد العيسى – تحرير: خلف معو