سوق الإلكترونيات في البحصة بدمشق.. بين الجديد والتهريب
دمشق – نورث برس
مع صعوبة الحصول على قطع جديدة للصيانة، لجأ أحمد الصفدي (٤٥ عاماً) وهو اسم مستعار لصاحب محل في سوق البحصة وسط دمشق، لاستخدام ما احتفظ به من قطع قديمة لصيانة الأعطال التي يصلحها.
وعلى مدار عشرين عاماً من العمل في مجال الالكترونيات، نجح “الصفدي” بتخزين قطع مستعملة تغنيه عن الجديدة.
ومع ضغوط الجمارك “وابتزاز وطلب رشاوى” على كل جهاز موجود بالمحل وتراجع مردودها، تخلى “الصفدي” عن بيع الأجهزة الجديدة والمستعملة واكتفى بالصيانة فقط، “حيث لا يمكن التدخل بها من قبلهم.”، في إشارة منه إلى الجمارك.
ويعتبر سوق البحصة، جنوب ساحة المحافظة مركزاً لبيع الإلكترونيات والبرمجيات في العاصمة، وشاعت عليه تسمية “وادي السيلكون السوري” نسبة إلى وادي السيلكون بولاية كاليفورنيا الأميركية.
ويلبي السوق حاجة سوريا إلى حدٍ ما، وينتشر فيه بحسب التقديرات ما يزيد عن ١٦٠ محلاً لتجارة وصيانة الالكترونيات، إضافة إلى العديد من الشركات البرمجية التي تقدم خدماتها التقنية.
وبحسب أصحاب محلات في السوق فإن ندرة القطع الجديدة وصعوبة الحصول عليها تعد من أبرز معوقات العمل.
تجاوز العقوبات
وقال عبادة سعيد (36 عاماً) وهو صاحب محل لبيع وصيانة الحواسيب في سوق البحصة، إن السوق يعتمد بشكل أساسي على استبدال القطع المتعطلة بأخرى تعمل من حواسيب معطلة وبعض القطع التي يمكن تأمينها من سوق الدول المجاورة وتهرب إلى البلاد.
وأشار “سعيد” إلى أن تجار السوق يتعاملون مع وسطاء في لبنان يزودونهم بالقطع اللازمة التي تدخل إلى البلاد عبر السيارات العامة العاملة على خط بيروت – دمشق وبالاتفاق مع دوريات الجمارك والمعبر الحدودي.
وتسعر جميع القطع بالدولار وتخضع لتقلباته، وهو ما يجعل الاستمرار بالمهنة “خطراً تحت طائلة التعرض للخسارة والسجن”، بحسب “سعيد”
وتجنباً للخسارة اشترك “سعيد” والعديد من التجار القدماء في البحصة والبرج وسوق الإلكترونيات على نشرة يومية لأسعار الموبايلات تتوافق مع سعر تصريف الدولار في السوق السوداء.، وفقاً لما ذكره لنورث برس.
وأشار “سعيد” إلى أنهم حاولوا الوصول لكل التجار لكي يتقيدوا بها، وهذا أقصى ما يستطيعون فعله لتجنب الخسارة في هذا الانهيار الاقتصادي، بحسب رأيه.
وإلى جانب افتقار البدائل وقطع الصيانة وتقلبات سعر الصرف، شكلت التجارة الإلكترونية تحدياً جديداً للسوق، حيث تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي العديد من المجموعات التي تختص ببيع الإلكترونيات بشكل مباشر بدون وسطاء.
وقالت رفاه السروجي (36عاماً) وهو اسم مستعار لمعيدة في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، إن التجارة الإلكترونية بدأت تنشط في سوريا مع تراجع الوضع المعيشي، وحاجة السكان إلى بدائل تخفف عنهم عبء الوضع المتردي.
استغلال
وذكرت المعيدة أن تجارة الإلكترونيات الجديدة لم تتأثر بالعقوبات بقدر تأثرها بالاحتكار، حيث بلغت قيمة الالكترونيات المستوردة إلى سوريا ٢٥٩ مليون دولار للعام ٢٠١٩، بحسب بيانات مركز التجارة الدولي ITC.
ويواجه السكان في سوريا بشكل عام وفي المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق بشكل خاص وضعاً معيشياً صعباً نتيجة انهيار الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، في ظل فرض قانون قيصر.
وفي حزيران/ يونيو العام الفائت، دخل القانون حيز التنفيذ، وهو يفرض عقوبات على الحكومة والدول الحليفة التي تقدم دعماً اقتصادياً ومالياً، حيث توصف هذه العقوبات بأنها الأقسى منذ بدء الحرب السورية.
ورأت “السروجي” أن البدائل التي وفرها السوق أغنت عن استيراد القطع الجديدة غالية الثمن، “لكن بقيت الأخيرة متوفرة لمن يرغب بها ويستطيع تحمل تكلفتها.”
وقال راشد الخلف (31عاماً) وهو من سكان حي ركن الدين شمال دمشق ويعمل في القطاع الخاص، إن أجور العاملين في السوق ليست بالكبيرة نسبة إلى الخدمات المقدمة.
لكنه لم يخفِ قيام بعض أصحاب المحال “باستغلال جهل السكان بالإلكترونيات وادعاء وجود أعطال إضافية لتقاضي أجور على إصلاحها.”
وأشار “الخلف” إلى أن هذه الممارسات أفقدت الثقة المتبادلة بين الزبائن والسوق، ودفعت الزبائن إما لاعتماد المعرفة الشخصية لمراجعة محلات الصيانة، وإما مراجعة بعض الشركات الموجودة والتي تتقاضى “أجوراً عالية”.