إصابات بأمراض وغياب للحلول.. تلوث مياه الشرب في بلدة بريف دير الزور

دير الزور- نورث برس

لم تفِ مراجعة عائلة الطفل عبيدة النجم (16 عاماً) للصيدلي بالغرض أثناء معاناته من آلام، هذا الشهر، إذ كان عليهم التوجه لمشفى مدينة دير الزور ليخبرهم الطبيب هناك أن سبب تشكل البحصة في كلية الطفل هو شرب المياه الملوثة.

وتسكن العائلة في بلدة معدان على الحدود الإدارية بين مدينتي دير الزور والرقة، والتي تبعد 70 كم عن كل منهما وتخضع لسيطرة القوات الحكومية، وخرجت المحطة الوحيدة لمياه الشرب فيها عن الخدمة بعد انخفاض منسوب مياه الفرات بسبب حبس تركيا للمياه.

ويؤدي استخدام مياه الصهاريج غير الآمنة للشرب في بلدة معدان، لإصابة أطفال ومسنين بأمراض معوية بعضها مزمنة، وسط غياب أي حل من البلدية التابعة لحكومة دمشق.

ولا يتمكن معظم السكان من تأمين فلاتر تصفية منزلية بسبب “الظروف المعيشية والمصاريف الإضافية التي يتكبدونها لشراء المياه من الصهاريج.”

ونتيجة تردي الوضع المعيشي أيضاً، قررت العائلة الاعتماد على شرب السوائل لمعالجة الطفل، إلا أن هذا الحل يرتبط بالمشكلة نفسها وهي عدم توفر مياه آمنة للشرب ولاستخدامها لتحضير الأعشاب التي يُنصح بها لمعالجة الأمراض غير المستعصية.

وقال حسام النجم، وهو والد الطفل، إنهم يتوجهون حالياً لتعبئة غالونات من مياه النهر ويجرون عملية تصفية يدوية له بالقطن قبل استخدامها.

ويعتبر ذلك في كل الأحوال أفضل من استمرار الاعتماد على مياه الصهاريج، والتي كانت السبب في مرض ابنه، على حد قوله.

مياه من السواقي

ويعاني سكان قرى وبلدات ريف دير الزور الغربي عموماً، الخاضع لسيطرة القوات الحكومية، من عدم توفر مياه صالحة للشرب ويضطرون للاعتماد على التعبئة من الصهاريج الجوالة في ظل انقطاع متكرر للمياه في الشبكات التي تحتاج لأعمال صيانة.

وتضم بلدة معدان عتيق نحو 150 صهريجاً تعمل في بيع المياه لسكان البلدة، بحسب “الحسن”.

وقال حمزة الحسن، وهو صاحب صهريج متجول لبيع المياه، إن التلوث يحدث لقيام معظم أصحاب الصهاريج بتعبئة المياه من سواقي الري الخاصة بالزراعة، “بهدف تقليل المسافة وتجنب الذهاب إلى نهر الفرات الذي انحسرت مياهه.”

ولم يُخف “الحسن” قيامه بالأمر نفسه في مرات سابقة، إلا أنه وبعد حدوث حالات تسمم، يقصد الآن النهر، على حد قوله.

ويقول سكان في البلدة إنهم يدفعون 1000 ليرة سورية للبرميل الواحد من مياه الصهاريج، وإن من الصعب تأمين تكاليف أخرى لفلاتر مياه منزلية للتصفية.

وقد تشترك عدة عائلات في شراء كمية صهريج كامل، وذلك لإقناع صاحب الصهريج بالبيع بأسعار مخفّضة قد تكون 500 ليرة لكل برميل

إصابات متزايدة

وقال ياسر الخميسي، وهو ممرض في البلدة، إن مشفى معدان سجل إصابات بالتهابات في المعدة والأمعاء، “بالإضافة لازدياد من يراجعون المشفى بسبب مشكلات في الكلى وأكياس مائية (خراجات).”

وأعاد الممرض ازدياد هذه الحالات إلى استخدام مياه معبأة من سواقي الري دون تصفية أو إضافة مواد معقمة.

وأضاف أن الأكثر تضرراً من شرب المياه غير الصالحة هم من الأطفال وكبار السن.

وحذر “الخميسي” من أن استخدام المياه الملوثة “قد يؤدي للإصابة بأمراض خطيرة مثل توقف الكلى وداء الكوليرا نتيجة وجود الشوائب والكائنات الدقيقة الممرضة فيها.”

ومنذ مطلع هذا الشهر، تفاقمت المشكلة نتيجة تخفيض تركيا لتدفق مياه الفرات وخروج محطات المياه في كبرى بلدات المنطقة مثل التبني ومعدان عن الخدمة بشكل كامل.

وقال همام الخلف، وهو أخصائي مخبري في البلدة، إن اجمالي الحالات التي جرى تحليلها في مخبره خلال الشهرين الماضيين بلغ 28 حالة، معظمها لأطفال ثبت اصابتهن بالتهاب معوي حاد.

وأضاف: “كما أن حالات القصور الكلوي للكبار في السن تتفاقم هذه الفترة، والبعض الآخر أصيب بالتهابات حادة ظهرت آثارها على الجلد.”

تقاعس حكومي

وقال عبد الوهاب الخمري، وهو من سكان البلدة، إن بلدية معدان الحكومية تتحمل مسؤولية تفاقم المشكلة، بسبب تقاعسها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأضاف أن التقاعس الآخر للبلدية هو عدم مراقبة الصهاريج وآلية التعبئة في ظل الانقطاع المستمر للمياه.

كما لا تسمح البلدية لصهاريج تابعة لها بتوزيع المياه مجاناً على المنازل.

وقال خلف الحميدي، وهو من سكان البلدة، إنه اشترى “فلتراً” مستعملاً لتصفية المياه بمبلغ 150 ألف ليرة بهدف تصفية المياه قبل استخدامها في الشرب والطبخ.

وأضاف أن معظم السكان لا يتمكنون من القيام بالخطوة ذاتها بسبب تردي الوضع المعيشي والارتفاع المستمر لأسعار فلاتر المياه وسط ازدياد الطلب عليها وحاجة السكان لها.

وقال موظف في بلدية التبني القريبة إن صيانة خطوط المياه بشكل تدريجي انطلاقاً من ريف دير الزور الشرقي ومن ثم قرى وبلدات ريف دير الزور الغربي.

وأضاف أن بدء الصيانة من المنطقة الشرقية باتجاه الغرب أخّر بدء صيانة خطوط الشبكة في معدان والريف المحيط بها.

إعداد: أحمد الموسى – تحرير: حكيم أحمد