إدلب – نورث برس
يعمل جواد سفلو (29عاماً) وهو اسم مستعار لنازح في مدينة سرمدا شمال إدلب، شمال غربي سوريا، قرابة ثمان ساعات يومياً في مهنة البناء، ليحصل على مبلغ 25 ليرة تركية (حوالي تسعة آلاف ليرة سورية)، تكاد لا تكفي لشراء مستلزمات عائلته الأساسية.
واضطر النازح للعمل بهذه المهنة “الشاقة” نظراً لقلة الأجور في الأعمال الأخرى، فهي “متدنية وغير مرضية”، إذ أن عمله يعد الأفضل أجراً وذلك لصعوبته الكبيرة وقلة الأشخاص العاملين به، حيث يحتاج لبنية جسدية قوية لرفع الأحمال والأثقال.
ورغم أن طبيعة العمل تسبب له آلاماً مستمرة في قدميه وظهره، “لكني مجبر على العمل بعد يأسي من إيجاد فرصة عمل بديلة.”
ودفعت قلة فرص العمل وانعدامها، “سفلو” وعمالاً آخرين للقبول بأجور متدنية وغير ثابتة لا تتناسب مع المصاريف المعيشية مقابل ساعات عمل طويلة في ظل الظروف الاقتصادية المتردية في إدلب.
وطالب “سفلو” أكثر من مرة بزيادة أجره اليومي، إلا أن كلمات المشرف على عمله “إن لم يعجبك الأجر لا تداوم” أجبرته على الرضوخ للأمر الواقع.
“عمل غير ثابت”
ووصلت نسبة البطالة في شمال غربي سوريا إلى 89 بالمئة، وفقاً لإحصائية لفريق “منسقو استجابة سوريا”.
وفي شباط/ فبراير الماضي، نشر الفريق استبياناً أشار فيه إلى أن فرص العمل لا تأتي مبكرة، فالأصغر سناً دون الخامسة والعشرين عاماً، نسبة البطالة عندهم 85%، مقارنة مع من تفوق أعمارهم 35 سنة بنسبة 50%..
أما من حيث النوع، فإنّ نسبة العاملين من الرجال 35%، في حين أن نسبة العاملات من النساء 17%، لافتا إلى أنه لا يمكن الجزم بطبيعة الحال أن هذه النسبة تعكس الوضع العام في المنطقة، بحسب ما ورد في استبيان الفريق.
في حين يقل معدل دخل عمال المياومة بإدلب شهرياً عن 55 دولاراً، وهو أقل من المعدل العام في سوريا الذي يبلغ 63 دولار، حسب تقييم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.
ويعمل رائد الحمدو (24عاماً) وهو اسم مستعار لنازح من بلدة حزارين جنوب إدلب ويسكن في مدينة معرة مصرين شمالها بالأشغال الحرة، حيث لا يتجاوز أجره اليومي 15 ليرة تركية، “وهي لا تكفي ثمن خبر لإخوتي السبعة.”
وأشار النازح إلى أن عمله غير ثابت وينقطع عن العمل بين الحين والآخر، إذ يلجأ في معظم الأحيان للاستدانة لتغطية مصاريف عائلته.
“أجور زهيدة”
وأجمع عمال مياومة أجرت نورث برس لقاءات معهم، على أن التداول بالعملة التركية “زاد الوضع سوءاً”، وذلك لما رافقها من ارتفاع أسعار جميع المواد أضعافاً مضاعفة، في حين بقيت أجور العمال تعادل الأجرة القديمة بالليرة السورية.
ومنذ حزيران/ يونيو من العام الماضي، صدر قرار من حكومتي السورية المؤقتة والإنقاذ باستعمال العملة التركية بدلاً من الليرة السورية وذلك “بهدف الحفاظ على القوة الشرائية للسكان وحماية أموالهم وممتلكاتهم ولتسهيل التعاملات اليومية”.
ومنذ الأشهر الأولى من بدء التعامل بالليرة التركية في مناطق شمال غربي سوريا، ظهرت تداعيات سلبية للقرار، لا سيما بالنسبة لعمال وأصحاب دخل محدود يتحملون تذبذب وتفاوت أسعار الصرف.
ويقول سكان من إدلب إن التعامل بالليرة التركية، تسبب بازدياد المصروف اليومي للعائلة.
وترتبط أسعار السلع الأساسية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية في إدلب، بسعر صرف الليرة التركية التي شهدت تراجعاً أمام الدولار الأميركي خلال الآونة الأخيرة.
وربط مصطفى الشغوري (39عاماً) وهو اسم مستعار لأحد الحرفيين في مهنة البناء في مدينة سرمدا شمال إدلب، قلة الأجور بحركة النزوح الأخيرة والكثافة السكانية العالية، “وهو ما تسبب بكثرة اليد العاملة وندرة فرص العمل.”
وكان “الشغوري” يتقاضى أكثر من نصف دولار للمتر الواحد من البناء، “أما الآن أنا مضطر للعمل بليرتين أي ما يعادل ربع دولار للمتر الواحد.”
وأشار إلى أن النازحين يعملون “بأجور زهيدة لكسب المشاريع وزيادة الإنتاج وهو ما أثر سلباً على معظم حرفيي المدينة.”