أزمة البنزين في دمشق.. انتعاش للسوق السوداء واتهامات للحكومة بضخها إليه
دمشق – نورث برس
يضطر سليم دعاس (50عاماً) وهو اسم مستعار لصاحب مركبة عمومية (تكسي) بدمشق، للجوء لشراء البنزين من السوق السوداء ليتمكن من الاستمرار بعمله دون تعطل بسبب “عدم” كفاية مخصصات سيارته من الوقود البالغة 25 لتراً أسبوعياً.
ورأى “دعاس” أن الآلية الجديدة التي اتخذتها الحكومة مؤخراً، لتوزيع البنزين “تمثلت حقيقة في نقل الطوابير من الشارع إلى المنازل، حيث يبقى صاحب السيارة بانتظار وصول الرسالة التي قد تتأخر أحياناً أياماً عن موعدها المفترض”.
وفتحت الآلية الجديدة الباب أمام المتنفذين للتجارة بالمواد النفطية في السوق السوداء، بحسب “دعاس”.
وتساءل: “إذا كانت الواردات الحكومية قليلة من هذه المادة فمن أين تأتي هذه الكميات الضخمة التي تباع من قبل التجار بتغطية من دوريات الأمن؟.”
ومؤخراً، ازدادت ظاهرة بيع المحروقات في السوق السوداء بأسعار تفوق بأضعاف سعرها الرسمي في ظل شحها في الكازيات التي شهدت على مدار الأشهر الفائتة ازدحاماً وطوابير خانقة للسيارات بانتظار الحصول على تلك المادة.
وفي أبريل/ نيسان الفائت، وتفادياً للازدحام والطوابير على محطات الوقود، قامت حكومة دمشق بتطبيق آلية لتوزيع البنزين من خلال الرسائل النصية في مناطق سيطرتها التي شكّلت، وبحسب سكان، تحدياً لصورتها وحلفائها في ظل عجزهم عن توفير المحروقات.
وفي الأول من هذا الشهر، أعلنت وزارة النفط السورية تعديل كمية تعبئة مادة البنزين للسيارات الخاصة لتصبح ٢٥ ليتراً بدلاً من ٢٠ ليتر للأسبوع الواحد.
وجاء القرار الذي وصفه سكان في دمشق بـ”الزيادة الخجولة” بعد أن كانت الوزارة نفسها قد خفضت على إثر أزمة البنزين الحادة مخصصات المادة للمركبات من 40 إلى 20 ليتر.
وفي آذار/ مارس الفائت رفعت وزارة التجار الداخلية سعر لتر مادة البنزين الممتاز (أوكتان 90) للكميات المخصصة على البطاقة الإلكترونية إلى 750 ليرة سورية للتر الواحد، في قرارٍ جاء وسط أسوأ أزمة محروقات شهدتها البلاد.
“أساليب غير شرعية”
ورغم أن القانون السوري يمنع التجارة بأي شكل من الأشكال بالمشتقات النفطية، تنتشر هذه التجارة بشكل علني في عدد من أحياء دمشق والطرق الواصلة من وإلى المدينة، بالإضافة لانتشارها على الطرق العامة الرابطة بين العاصمة والمحافظات الأخرى.
ويتراوح سعر بيع البنزين بين 50 و60 ألف ليرة سورية للغالون الواحد (بيدون) البالغ 20 لتراً، أي ما يقارب ثلاثة آلاف ليرة للتر الواحد، فيما يبلغ سعره الرسمي 750 ليرة سورية.
وقال ليث الأسدي (28عاماً) وهو اسم مستعار لسائق مركبة عمومية آخر، إن البنزين متوفر بكميات ضخمة في السوق السوداء حيث هناك محال خاصة لبيع هذه المادة في معظم الأحياء.
واستبعد “الأسدي” وصول هذه المادة إلى السوق عبر طرق التهريب من خارج البلاد، واتهم الحكومة بتعمد بيعه بأساليب “غير شرعية لكسب المال.”
وأضاف: “يتم تعمد تقليل تزويد محطات الوقود بالبنزين وضخه في السوق السوداء لتحقيق أعلى درجة من الأرباح دون النظر إلى الآثار الاقتصادية المزرية التي تتسبب بها هذه الأزمة للسكان.”
تلاعب بالكميات
وكان فادي سليمان (43عاماً) وهو اسم مستعار لبائع سابق للمواد النفطية في السوق السوداء، يحصل على المادة من مصدرين أولهما أصحاب كازيات والثاني مسؤولون أمنيون.
ويتعمد القائمون على وزارة النفط بتأخير إيصال الرسائل لأصحاب السيارات “وبالتالي كسب كميات كبيرة من البنزين في الوقت الضائع”، بحسب قول “سليمان”.
وأضاف: “فالسائق العمومي من المفترض أن يحصل كل أربعة أيام على 25 لتراً، فيتم تأخير الرسالة ليوم أو يومين لتحقيق فارق في الكميات المستهلكة وبالتالي فسح المجال أمام تسريبه للسوق السوداء.”
وأشار التاجر السابق إلى أنه إذا ما تم قياس هذا الأمر على جميع السيارات في مناطق الحكومة ، “سنرى أن الكميات التي تتسرب إلى خزائن ومستودعات التجار من هذه الكميات التي يتم جمعها من هذا الوقت تبلغ عشرات الآلاف من اللترات.”
وهناك وسيلة أخرى لتسريب المحروقات إلى السوق السوداء، “إذ يقوم القائمون على سيارات الشرطة والسيارات الأمنية بتعبئتها بشكل يومي من مخصصات أقسامهم وإفراغها في مكان ما لبيعها فيما بعد إلى السوق السوداء.”