الهموم المعيشية تطغى على الاهتمام الإعلامي بالانتخابات الرئاسية وحرب غزة لدى سكان حلب

حلب – نورث برس

ينظر أحمد عز الدين (40عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد سكان مدينة حلب، شمالي سوريا، إلى صورة الرئيس السوري المعلقة على زاوية مبنى في دوار 3000 في حي الحمدانية بالمدينة إيذاناً باقتراب الانتخابات الرئاسية، بينما يخفض صوت جهاز الراديو في سيارته وهو يبث أخباراً عن الحرب الدائرة في غزة من إذاعة محلية.

ويبدو على “عز الدين” الذي يعمل على سيارة أجرة أنه غير مكترث لأحداث تغطيها الوسائل الإعلامية الحكومية في بلاده ودول الجوار.

والأحد الماضي، بدأت الحملة الانتخابية الرئاسية في سوريا بشكل رسمي على أن تستمر إلى الرابع والعشرين من أيار/ مايو الجاري.

وتواجه الانتخابات المزمع إجراؤها رفضاً دولياً واسعاً، وقال المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن أواخر الشهر الفائت، إنها “ليست جزءاً من العملية السياسية التي أقرها مجلس الأمن.”

ورغم دعوات دولية لتطبيق القرار 2254 الذي يركز على تشكيل حكومة انتقالية ووضع دستور جديد للبلاد، إلا أن حكومة دمشق تعتمد على دستورها للعام 2012 والذي لم يصوت عليه السوريون.

وتقوم حكومة دمشق، هذه الأيام، وسط صخب شرعية الانتخابات من عدمها، بتعليق صور ولافتات تأييد للرئيس السوري بشار الأسد في شوارع المناطق الخاضعة للسيطرة الحكومية.

“ماذا ستقدم الانتخابات؟”

وتساءل السائق عما ستقدمه الانتخابات الرئاسية للسكان، “هل ستعجل بمخصصات البنزين لسيارتي، هل سأحصل على جرة غاز بسعر مدعوم كل شهر ولا أضطر لانتظارها ثلاثة أشهر؟”

وأضاف: “هل ستخفض أسعار المنتجات والسلع؟ ما يهمنا هو تأمين لقمة العيش وليس حفلات وتجمعات وهتافات تمهد للفائز في الانتخابات المحسومة النتائج.”

وتشهد سوريا تفاقماً حاداً في الأوضاع المعيشية في ظل موجة ارتفاع الأسعار لمستويات غير مسبوقة على خلفية انهيار قيمة الليرة السورية وسط تدني قيمة الرواتب.

وبحسب اليونيسف، فإن سعر السلة الغذائية المتوسطة، أي ما تستهلكه العائلات كل أسبوع، ارتفع في العام الماضي، ارتفاعاً هائلاً وصل إلى أكثر من 230 في المئة.

ووفقاً للمنظمة، فإن في سوريا ستة ملايين و100 ألف طفل بحاجة إلى المساعدة، “وهي زيادة بنسبة 20 في المئة عن العام الماضي؛ وتمثل هذه النسبة 90 في المئة من الأطفال السوريين.”

كما أن أكثر من نصف مليون طفل دون سن الخمس سنوات في سوريا يعانون من التقزم نتيجة سوء التغذية المُزمن، بحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة.

“بيع وطنيات”

ورأى “عز الدين” أن الوسائل الإعلامية الحكومية تتناول وتغطي الحرب الدائرة في غزة “وكأن سوريا لا تعاني من مشكلات ولم تقع فيها حروب أشد وأقسى مما يحصل في فلسطين.”

واتهم الإعلام الحكومي بأنه “يتاجر بالقضية وينسى مشاكلنا وهمومنا نحن السوريين، الناس تريد معيشتها ولا تحتاج لمن يبيعها الوطنيات.”

ومنذ أكثر من أسبوع، تواصل إسرائيل ضرباتها في عدة مناطق في قطاع غزة، في مقابل إطلاق الصواريخ تجاه البلدات والمدن الإسرائيلية، وسط جهود دولية مكثفة لوقف إطلاق النار دون أي نتيجة.

ولا يرى حسام المحمد (37عاماً)، وهو اسم مستعار لإعلامي في حلب، ضرورة لكل مظاهر المهرجانات الخطابية والحفلات الجماهيرية التي تقيمها فعاليات حكومية وأهلية مقربة من الحكومة تمهيداً للاستحقاق الرئاسي “المحسوم سلفاً.”

واعتبر الصور والملصقات والأعلام والرايات التي يتم وضعها في كل ركن وزاوية في حلب، إضافة للخيم والمضافات التي تقام في معظم الأحياء وغيرها من الأنشطة التي تقوم بها الحكومة أو تجار ونافذون مقربون منها، “مظاهر بذخ.”

“لو تم صرف تلك الأموال على والمحتاجين لساهمت في خفض منسوب الفقر والحاجة المتفشيين كالنار في الهشيم في حلب”، على حد تعبيره.

وتشهد حلب إقامة حفلات، غالباً تقام أمام القلعة وتبث أغاني وطنية، بالإضافة إلى تنظيم خيم جرى تجهيزها ويتجمع بها العشرات من السكان وهي تتصاعد مع اقتراب الانتخابات.

المشاركة الإجبارية

وقبل عدة أيام، نظم  فرع حزب البعث في حلب مسيرة احتفالاً بإجراء الانتخابات الرئاسية.

لكن الصحفي أشار، في حديث لنورث برس، إلى أن المظاهر الاحتفالية بالانتخابات “لا يحضرها سوى المنتفعون من الحكومة أو الموظفون الحكوميون الذين يتم إجبارهم على حضورها.”

وعادة تنظم المسيرات إما من قبل فرع حزب البعث في حلب أو من الشعب الحزبية التابعة له وهي الجهة الرسمية التي تنظمها وتلزم بها الدوائر الحكومية المختلفة بضرورة المشاركة أو ينظمها رجال أعمال نافذون أو وجوه عشائرية محسوبة على الحكومة، بحسب سكان وموظفين حكوميين.

وبالنسبة لأحداث المسجد الأقصى وحرب غزة، عبر الصحفي عن اعتقاده أن “سكاناً في حلب متعاطفين مع قضية فلسطين ومع حقوق شعبها لكن تلك القضية وزخمها دفنت بركام المشاكل الاقتصادية والمعيشية التي يعيشها الحلبيون.”

ورأى ياسر بنقسلي (65عاماً)، وهو اسم مستعار لمحام في حلب، أن الوضع “لن يختلف بعد الانتخابات والسياسيات الاقتصادية والمعيشية هي ذاتها لن يطرأ عليها أي تغيير نظراً لأن صناديق الاقتراع تحمل اسم الفائز سلفاً قبل بداية الاقتراع.”

وأضاف: “الأوضاع الاقتصادية لن تشهد أي انفراجات لا راهناً ولا حتى بالمستقبل القريب.”

إعداد: نجم الصالح – تحرير: سوزدار محمد