موسم جز صوف الأغنام في الرقة

الرقة ـ نورث برس

بين أصوات الحداء والانشغال بالمنافسة، يبدأ ثامر العشوي (٣٤ عاماً)، وهو من سكان قرية جب شعير 55 كم شمال الرقة، شمالي سوريا، موسم جز صوف الأغنام مع مجموعة أصدقاء يمتهنون تربية الأغنام كمصدر للدخل في معيشتهم.

ولا يقل موسم جز الصوف أهمية من حيث المنفعة المادية عن أي موسم آخر لدى مربي الأغنام كالحليب والخراف، بحسب “العشوي”.

ومطلع شهر أيار/ مايو من كل عام، يبدأ موسم جز الصوف، إذ يتزامن ذلك مع ارتفاع درجات الحرارة.

ويكون ذلك للتخفيف عن الأغنام من حرارة الجو، ولكي يتجدد صوفها خلال فصل الصيف.

وتعتبر تربية الأغنام والاتجار بها وبمشتقاتها إلى جانب الزراعة مهناً يعمل بها أغلبية سكان أرياف الرقة.

لكن لا توجد أرقام دقيقة تحدد العدد الحقيقي لرؤوس الماشية في الرقة أو عموم مناطق شمال شرقي سوريا.

وتحتل تربية المواشي المرتبة الثانية بعد الزراعة من حيث اعتماد سكان مدينة الرقة عليها كمصدر للدخل بنسبة تصل إلى ١٠ بالمئة.

وتستهدف في موسم “الجز” الأغنام التي تجاوزت أعمارها سبعة أشهر كما يتم قص الصوف عن الأقل عمراً في حال كانت تربى للتجارة.

ترتيبات محددة

ويتطلب موسم “الجز” ترتيبات محددة قبل وأثناء إجراء العملية تجري ضمن التقاليد المتوارثة التي لا زال القائمون بهذا العمل يتبعونها خلال هذا الموسم والتي تضفي عليه جواً خاصاً.

وأولى الترتيبات تبدأ بغسل الغنم قبل يومين أو ثلاثة لتنظيفها مما لحق بها من أوساخ وأوحال الشتاء.

ويتجلى مبدأ “تقسيم العمل” بصورة واضحة في عملية الغسل والقص، وهو ما يعرف بـ”الفزعة”.

و”الفزعة” تعاون مربي الأغنام لجز أصواف كل قطيع على حدة، إلى حين الانتهاء من جميع القطعان قبل بدء فصل الصيف.

ويتوزع الشباب في عملية الغسل على مجموعتين، تقوم الأولى بجلب النعاج من القرية ، وتتكفل المجموعة الثانية بغسلها.

ويكون هذا تمهيداً للخطوة الثانية وهي عملية القص التي تأتي بعد أن يجف الصوف من الماء.

وفي يوم القص الموعود ينقسم الشباب إلى مجموعتين أيضاً، الأولى مجموعة حلاقي النعاج الذين يتمتعون بمهارة العمل.

والمجموعة الثانية تتألف من المساعدين الذين يسحبون الخروف من القطيع، ليتم توثيق قوائمه الأربع تمهيداً لجز قطعة الصوف ولفّها على شكل كرة بعد الانتهاء من العملية.

تنافس وحداء

وقال “العشوي”: “نعمد خلال الفزعة إلى التنافس فيما بيننا بحيث يحاول كل شخص أن يجز أكبر عدد ممكن من الأغنام.”

ويتصدر صاحب الرقم الأكبر عند الانتهاء من العمل لقب “بطل الموسم”، بحسب “العشوي”.

وتستخدم في عملية الجز، مقصات يدوية ويستعمل البعض آلات قص كهربائية.

ومن التقاليد التي ترتبط بحلاقة صوف الغنم (الحِداء) وهي أغان شعبية، إذ يبدأ أحد المشاركين بالتغني بأناشيد حماسية خاصة، وذات صلة بهذا العمل.

ويشارك مجموعة من الشباب الحادي في غناءه، “نعمد إلى الحداء كي نبعث الحماس في قلوب الشباب وكي نكسر الملل ونتناسى التعب الذي يصيبنا خلال العمل”، يقول “العشوي”.

وهذا العام، أثر موسم الجفاف الذي مرت به المنطقة كثيراً على الأغنام بسبب الجوع الذي أصابها وكثرة الأتربة التي علقت بأصوافها.

يضيف الشاب: “معظم الأغنام متلبدة الصوف وذلك لا يساعد في القص. في السنوات الماطرة، كان يستطيع كل شخص يتقن جز الصوف أن ينتهي من ٤٠ أو ٥٠ رأساً من الأغنام خلال ساعات قليلة.”

ولكن هذا الموسم، “لا يستطيع أن يجز أكثر من 15 رأساً في اليوم الواحد، لتلبد صوف الأغنام ونحالتها.”

وبعد الانتهاء من عملية جز الصوف، يقومون بجمعه وتعبته في أكياس خاصة وبيعه إلى متاجر الصوف في مدينة الرقة بأسعار تتفاوت بحسب جودته.

انخفاض الطلب

“لم يعد هناك طلب كبير لصوف الأغنام بعد أن انتشرت المفروشات الجاهزة في الأسواق وتوقف عدد كبير من معامل النسيج في المدن السورية الأخرى عن العمل”، بحسب “العشوي”.

وسابقاً، كانت الأصواف التي يجنونها، تستخدم في صناعة الأثاث المنزلي كالأغطية والمفروشات الصوفية ولكن خلال السنوات الأخيرة تحول معظم مربي الأغنام إلى بيع الصوف بعد انتشار المفروشات الجاهزة في الأسوق.

وتتفاوت أسعار بيع الصوف بحسب نوعيته، إذ يباع أجود أنواعه بألف ليرة سورية للكيلو غرام الواحد، بينما تباع الأنواع الأقل جودة بأسعار تتراوح ما بين 500 و600 ليرة.

ويشير الشاب إلى أن هذه الأسعار هي ذاتها لم تتغير عن الأعوام الماضية، “لم ترتفع أسعار الصوف رغم الانهيار الكبير لليرة السورية أمام صرف الدولار فالسعر الذي نبيع به هذا العام لا تتجاوز قيمته نصف أسعار الأعوام الماضية.”

إعداد: أحمد الحسن – تحرير: عمر علوش