دمشق – نورث برس
لم ينتهِ إبراهيم عثمان (26 عاماً)، وهو اسم مستعار لطالب دراسات عليا في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية بجامعة دمشق، من معاناته في الموافقة على مشروع التخرج من الجامعة، ليواجه معاناة أخرى في التسجيل على رسالة الماجستير، حيث يواجه رفضاً من المشرف للمقترحات التي يقدمها.
والآن، يحاول “عثمان”، الذي يقيم جرمانا في ريف العاصمة دمشق، تقديم رسالة في الطاقات المتجددة، حاله كحال مجموعة من زملائه في محاولة إقناع المشرف بفكرة المشروع والدراسة البحثية.
ويتميز دكاترة الجامعات السورية بـ”عقلياتهم القديمة والمتحجرة”، فإذا كان الموضع جديداً، عليك أن تكافح في سبيل الموافقة عليه وإقناع المشرف بأهمية الموضوع، بحسب ما قاله “عثمان.”
ولعدم اقتناع المشرف بأهمية الموضوع الذي سيتناوله الطالب، تأخر “عثمان” لمدة عام كامل عن تقدير أطروحته، “وسط إصرار المشرف وإجباري للعمل على أطروحة لبحث مشروع لا جدوى اقتصادية منه نهائياً”، حسب وصفه.
ويعود الموضوع، بحسب “عثمان” إلى عدم اهتمام بعض المشرفين بإمكانية تطبيق المشاريع والجدوى منها وانكفائهم عن متابعة آخر المستجدات العلمية الحديثة، وذلك بمعظمه بسبب حاجز اللغة بينهم وبين الأوراق البحثية العلمية الجديدة.
وتعتبر دراسة الماجستير فرصة لتعزيز المعرفة والفهم في مجال معيّن، وأيضاً لنشر الأبحاث والاكتشافات في مجال التخصص الدراسي.
ويتم الانخراط في برامج أكاديمية تسمح للباحث بتحديث معارفه، وتلبية متطلبات الوظائف الحالية وتحسينها وتحسين الأمان الوظيفي بشكل عام، إضافةً إلى دوره في حل بعض المشكلات التي تواجه السكان، وبالتأكيد تسريع المسيرة المهنية للباحث.
وتعتمد أغلب جامعات العالم والجامعات العالمية، إحدى نظامين في مرحلة الماجستير، وهي إما عدد من المواد أو رسالة، وكلا النظامين يكونان في مجال الاختصاص الذي يدرسه الطالب.
لكن للبحث العلمي في سوريا حكاية أخرى، إذ تعتمد الجامعات السورية على النظامين معاً.
ومدة الدراسة سنتان في أغلب أقسام الدراسات في سوريا، وتكون السنة الأولى للمواد, أما الثانية فتكون لمناقشة رسالة الماجستير.
والشروط الصعبة ميزة الجامعات السورية، للموافقة على رسائل الماجستير، ويواجه الباحث صعوبات وحواجز تعيق إنجاز أبحاثه العلمية.
“مخابر مغلقة”
تعتبر المخابر أساساً لإنجاز البحث العلمي، فيما تفتقر معظم الكليات العملية إلى مخابر حديثة، والمواد اللازمة لإجراء البحوث، والعديد من أعضاء الهيئة التدريسية يقومون بإغلاق المخابر واحتكار العمل فيها لمصلحتهم الشخصية.
ويقول “عثمان” إن أحد المخابر في قسمه والضروري لإجراء عمليات القياس والبحث بقي مغلقاً لسنوات لأن أحد أعضاء الهيئة التدريسية كان يجري فيه التجارب لصالح القطاع الخاص.
وتضيف ريتا الخوري (29 عاماً)، وهو اسم مستعار لطالبة دكتوراه في اختصاص الصيدلة بجامعة دمشق، أنه إضافةً لإغلاق المخابر بسبب تعطل العديد من أجهزتها، “فهي تفتقد أيضاً للمواد اللازمة لإجراء البحوث وإن توفرت تكون بأثمان مرتفعة وعلى الطالب تحملها.”
وتشير “الخوري” التي تقطن في حي المزة، إلى أنه “لا يمكن نشر الأبحاث بمجلات علمية مرموقة اليوم بدون العمل في مخابر متطورة وحديثة تستطيع تقديم الأرقام والنتائج بشكل واضح وموثق.”
ولا يعدو النشر في المجلات العلمية السورية عن أنه أمر روتيني يجريه الجميع دون الاهتمام بفحوى البحث المنشور وجديته وآلية الوصول لنتائجه، بحسب ما وصفته “الخوري.”
ويتم رفض العديد من الأبحاث المهمة التي يتم تحضيرها في سوريا، من قبل المجلات الخارجية، لغياب مختبرات حديثة.
“قرارات معيقة”
وينكفئ العديد من الطلاب عن التقدم لبرامج الدراسات العليا خوفاً من منع خروجهم من البلاد، وإلزامهم بساعات وجداول عمل مختلفة وغير مرنة.
وينص قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على: “تأكيد عدم مغادرة الطالب القطر، والالتزام بمضمون القرار عن طريق مراسلة إدارة الهجرة والجوازات، ولحظ حركة دخول وخروج الطالب، مع التشديد على دوام الطالب المسجل في مرحلة الدراسات العليا في الجامعات الحكومية.”
ويشدد القرار على أن “يلتزم الطالب المسجل في درجة الماجستير بنسبة الدوام المنصوص عليها في أنظمة الدراسات العليا في سنة المقررات، ويلزم الطالب في مرحلة الرسالة (ماجستير، دكتوراه) بالتواصل مع الأستاذ المشرف.”
ويقدم إبراهيم دخل الله (25 عاماً)، وهو اسم مستعار لطالب ماجستير في كلية الهندسة المدنية أطروحته حول بناء المدن.
ويقول “دخل الله” الذي يقيم في حي ركن الدين، لنورث برس، إن “القرارات التي تصدرها الوزارة لا تأخذ بعين الاعتبار الوضع المعيشي للطلاب.”
ومنذ بداية دراسته كان مضطراً للعمل والدراسة في آن واحد، “فكيف أستغني عن العمل في هذه الأيام الصعبة؟”
وقرار منع السفر إلا بإذن من المشرف والعميد “له أسباب أمنية” لبحث أوضاع الطلبة، وتتذرع الوزارة بحجة حجز الطلاب للمقاعد والتهرب من انجاز الأبحاث العلمية للجامعة، بحسب “دخل الله.”