ارتفاع التكاليف وقلة مساحات الرعي تؤثر على مربي النحل في إدلب

إدلب – نورث برس

لم يبقَ لمحمد التركي (42 عاماً) وهو أحد مربي النحل من نازحي بلدة شهرناز غربي حماة، سوى خلية نحل واحدة على وشك الموت، بعد أن خسر المشروع الذي كان يملكه بأكمله، بسبب التكاليف وقلة مساحات الرعي.

وقدّر “التركي” خسارته بنحو ألفي دولار أميركي، عام 2019، بسبب الصعوبات التي واجهته خلال تربية النحل.

غلاء أسعار الأدوية ومستلزمات النحل التي تستورد جميعها من تركيا بالدولار ذهبت بمربي النحل للعزوف عن تربيتها.

والعام الماضي، وصلت تكلفة الخلية الفنية لأكثر من 40 دولاراً أميركياً دون عاسلة وبدون إطارات وبدون شمع.

و”ما زاد الطين بلة” بحسب، “التركي”، الذي يقيم في أحد مخيمات إدلب، هو قلة مساحات الرعي التي ينتج منها النحل العسل أو الطرود، حيث أن منطقة إدلب تحولت إلى كتلة عمرانية لم يبقى بها مساحات مناسبة لتربية النحل.

وآخر منطقة كانت مناسبة لتربية النحل هي منطقة سراقب وما حولها، “ولكن بعد دخول القوات الحكومية إليها لم يبق مكان مناسب لمربي النحل في ريف إدلب.”

وشهدت مهنة تربية النحل في إدلب، شمال غربي سوريا، خلال الآونة الأخيرة تراجعاً كبيراً نتيجة الحملات العسكرية المتتالية التي شهدتها المنطقة منذ منتصف العام 2019.

وشهدت السنة الماضية نفوق عدد كبير من خلايا النحل قدرت بنحو 50 بالمئة، إذ تعرضت للتلف بسبب قلة المراعي وقلة الأماكن المناسبة لتربيته.

ولم يتمكن مربو النحل من نقل مشاريعهم من مكان إلى آخر نتيجة ارتفاع أسعار الوقود التي أدت إلى ارتفاع أسعار إيجارات النقل.

ومع دخول فصل الصيف من كل عام، تهب رياح محملة بالغبار على فترات، تضر كثيراً بالنحل، ناهيك عن عدم توفر المراعي، “موسم حبة البركة واليانسون والكزبرة قليل جداً.”

وقبل اندلاع الحرب السورية عام 2011، كانت مهنة تربية النحل في إدلب، مهنة رائجة لدى الكثير من السكان نتيجةً لتوفر البيئة والمراعي المناسبة لها، ويعتمد عليها المربون كمصدر دخلٍ أساسي.

وفي ذلك العام، احتلت إدلب المركز الأول على مستوى البلاد بعدد طوائف النحل والتي كانت تقدر بأكثر من 90 ألف طائفة، إذ بلغ الإنتاج 550 طناً، بحسب إحصائية وزارة الزراعة في الحكومة السورية.

تلف بالقصف

واضطر بشير قطيني (44 عاماً)، لبيع ما تبقى لديه من خلايا النحل التي كان يملكها قبل نزوحه من مدينته خان شيخون جنوبي إدلب.

وقبل سبع سنوات، كان “قطيني” يملك نحو 300 خلية من النحل بأنواعه المختلفة، “وكانت هذه المهنة هي الوحيدة التي اعتمد عليها كمصدر رزق لعائلتي.”

وقال لنورث برس: “أعمل بها منذ نحو 20 عاماً، ومع بداية عام 2019 تعرضت المنطقة التي كنت أرعى بها للقصف من قبل الطائرات الحربية الروسية ما أدى لتلف نحو 260 خلية، وقدرت خساراتي حينها بأكثر من 20 ألف دولار أميركياً.”

واضطر “قطيني” بعدها لبيع ما تبقى منها نتيجة اشتداد القصف على المنطقة، والنزوح إلى مناطق شمالي إدلب التي لا يمكن تربية النحل بها نظرا لكون المنطقة جبلية لا تصلح للرعي.

وقام بعدها بافتتاح محلٍ لبيع مستلزمات النحل، “إلا أن الإقبال كان ضعيف بسبب كثرة المربين في تلك المنطقة.”

مراعي خطرة

مناطق سهل الغاب غربي محافظة حماة، و جبل الزاوية جنوبي إدلب، هي المناطق المتبقية التي يتوفر فيها مراعٍ مناسبة للنحل.

لكن بحسب “التركي” فإن تلك المناطق تتعرض للقصف أيضاً بشكلٍ متكرر كما توجد مخاوف من تقدم القوات الحكومية،” وبالتالي قليل من النحالين يأخذون نحلهم إلى تلك المنطقة.”

ويرى ياسر العبدالله رئيس جمعية النحالين السوريين في إدلب، أن مهنة تربية النحل في إدلب واجهت صعوبات كثيرة مثلها مثل أي مهنة أخرى تأثرت بفعل الحرب السورية.

وقال لنورث برس: “يحتاج النحل إلى تنقيل بين المراعي ولا يعتمد على مناطق ثابتة، من أجل إنتاج العسل المتنوع، إضافةً إلى غلاء مستلزمات النحل.”

ويتم استيراد المستلزمات من تركيا وأوروبا بما فيها “ملكات الهجين التي نستوردها أيضاً، وجميعها تكون على الدولار، وبالمقابل بيع إنتاج النحل بالعملة السورية ما سبب خسائر كبيرة للمربين.”

وشدد على أن من الصعوبات الكبيرة التي واجهت النحالين، “هي قرب المراعي من مناطق سيطرة القوات الحكومية.”

وتتميز هذه المناطق بأنها غنية بالأزهار المتنوعة “لأن المزارعين لا يستطيعون حراثة أراضيهم فتنبت نباتات مفيدة جداً للنحل.”

ويضطر النحالون لوضع مناحلهم بالقرب من خطوط التماس مثل منطقة سهل الغاب وجبل الزاوية.

“وهناك يكون احتمال تعرضهم للاستهداف المباشر من قبل القوات الحكومية ما يسبب خسائر كبيرة ومخاطر على حياة المربين”، بحسب “العبدالله”.

وكان لجائحة كورونا أثر واضح على مربي النحل في إدلب، إذ أدت لإغلاق الطرق بين المحافظات السورية كما تم إغلاق المعابر مع الدول المجاورة.

وسابقاً، كان يتم تصدير العسل إلى تركيا ولبنان والسعودية والخليج وغيرها، لكنها أغلقت منافذها وحدودها، فأصبح الإنتاج يباع في السوق المحلي.

ولا يوجد في السوق المحلي استهلاك من قبل السكان لمادة العسل، إلا للعلاج، أما كغذاء لا أحد يستهلكه إلا القليل.

تكاليف إضافية

وأشار “العبدالله” إلى أن النحل مثله مثل باقي الحيوانات الأخرى معرض للكثير من الأوبئة أو الأمراض، وأشهرها مرض “فاروة النحل” التي تصيبه دائماً.

ويتم استخدام أدوية مستوردة لعلاجه عن طريق تركيا ما يزيد من التكاليف المترتبة على المربين.

كما يصيب النحل أمراض أخرى مثل “تحجر الحضنة” أو “التعفن الأميركي أو الأوروبي”، وجميع هذه الأمراض بحاجة لأدوية “ولكن أسعارها مرتفعة، والنحال مضطر لاستخدامها للحفاظ على نحله”.

إعداد: براء الشامي ـ تحرير: معاذ الحمد