الافتقار للمدارس العامة يفتح باب الاستغلال للخاصة في شمال غربي سوريا

إدلب ـ نورث برس

يتمنى الطفل رائد الصدير (11 عاماً) العودة إلى المدرسة، إذ انقطع عن التعليم بعد نزوحه من مدينة معرة النعمان إلى مخيمات أطمة الحدودية شمال مدينة إدلب، شمال غربي سوريا، حيث تفتقر المنطقة للمدارس العامة وسط استغلال المدارس الخاصة.

“ياريت اقدر روح مع رفقاتي على المدرسة.. بس العين بصيرة واليد قصيرة” يقول الطفل متحسراً.

واضطر “الصدير” لترك مدينته وهو في الصف الرابع الابتدائي، إذ لم يعد قادراً على متابعة تحصيله العملي لافتقار المخيم الذي يقطنه لمدرسة مجانية.

كما أن الوضع المادي لوالد الطفل لا يمكنه من تسجيله في مدرسة خاصة تم افتتاحها قبل مدة قصيرة.

وتفتقر محافظة إدلب، شمال غربي سوريا، إلى المدارس والمراكز التعليمية العامة بالتزامن مع ازدياد الكثافة السكانية في هذه المناطق، وخاصة في المخيمات الشمالية.

ودفع غياب المراكز التعليمية قسماً كبيراً من النازحين على تلك المنطقة، للعزوف عن تعليم أطفالهم ومتابعة تحصيلهم العلمي، بينما اضطر بعضهم لتسجيلهم في مدارس تتبع للقطاع الخاص “مدفوعة الثمن”.

يقول خالد الصدير (36عاماً) والد رائد، إنه يموت “مئة مرة باليوم”، لعجزه عن إرسال ابنه الوحيد إلى المدرسة مع أصدقائه، وخاصة أن ولده كان من “المتفوقين” في مدرسته حين كان في مدينة معرة النعمان.

ويتقاضى “الصدير” مبلغ 25 ليرة تركية (3.01 دولار أميركي) في اليوم في عمله بورشات البناء، ويبلغ تكلفة القسط الشهري في المدرسة الخاصة 35 دولاراً شهرياً.

“هو مبلغ يؤمن معيشة عشرة أيام لي ولعائلتي”، مما حال بين ولده رائد والمدرسة.

خوف على المستقبل

وبعد انقطاع عن التعليم لسنتين ويأسه من تسجيل أطفاله في مدرسة عامة، اضطر سعيد العربو (42 عاماً)، وهو اسم مستعار لنازح من ريف دمشق، لتسجيل طفليه في إحدى المدارس الخاصة في مدينة الدانا شمال إدلب.

ويدفع “العربو” أقساطاً سنوية للمدرسة الخاصة تقدر بـ250 دولاراً أميركياً، وهو مبلغ كبير مقارنة بمردوده المتوسط، كل ذلك “خوفاً على مستقبل أطفاله من الضياع.”

وتدفع أسباب عديدة سكان المخيمات لتسجيل أطفالهم في المدارس الخاصة، أبرزها بعد المدارس العامة عن معظم المخيمات الحدودية وافتقارها لأدنى المستلزمات التعليمية إن وجدت.

وأتاحت الأسباب السابقة المجال للمدارس الخاصة “الربحية” كما يصفها نازحون في مخيمات تل الكرامة شمال إدلب.

والتعليم هو مهنة إنسانية قبل أن يكون هدفاً للربح، حيث أن “معظم هذه المدارس لا تكترث لسوء الأوضاع المعيشية التي تحاصر النازحين.”

وتستغل المدارس الخاصة، بحسب سكان في المخيمات، خوفهم على أطفالهم من الجهل والأمية، لتطلب رسوماً “خيالية” منهم، ما يجبر الكثيرين عن الامتناع استكمال التحصيل العلمي لأطفالهم.

ارتباط بتحرير الشام

وقالت مصدر مطلع، اشترط عدم نشر اسمه، لنورث برس، إن “هذه المدارس ترتبط ارتباطاً وثيقاً بحكومة الإنقاذ الذراع المدني لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وذلك من خلال ترخيص هذه المدارس في مديرية التعليم التابعة لها حيث تأخذ نسبة وأرباحاً.

وفي السادس والعشرين من كانون الثاني/ يناير الماضي، أقدم مجمع حارم التربوي، التابع لحكومة الإنقاذ، على تأجير مدرسة عامة بقيمة 200 دولار شهرياً وتحويلها إلى مدرسة خاصة للتعليم المأجور في مدينة كفر تخاريم، غربي محافظة إدلب.

وأضافت المصادر أن السكان يتعرضون “للاستغلال” من قبل القائمين على هذه المدارس، حيث بلغت الرسوم السنوية فيها قرابة 175 دولار للصفين الأول والثاني، و250 دولاراً حتى الصف السادس، بينما وصلت أقساط الطلاب في الصف التاسع إلى 300 دولار.

وتنتشر هذه المدارس في المدن الكبيرة ذات الكثافة السكانية العالية ومنها مدن “سرمدا، والدانا، وكفر تخاريم ومدينة إدلب”، حيث بلغت أعدادها في تلك المناطق قرابة 100 مدرسة تضم كافة المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية.

ويرجع تيسر اليوسف (45 عاماً)، وهو مدير مدرسة خاصة في كفر تخاريم، ازدياد أعداد المدارس الخاصة، لزيادة عدد الوافدين إلى إدلب بعد حملات التهجير والنزوح.

وبرر غلاء واختلاف الرسوم بين مدرسة وأخرى، إلى المراحل الدراسية وعدد الغرف الصفية والكادر التدريسي والخدمات المقدمة للطلاب وعددهم الذي لا يتجاوز عشرين طالباً في كل غرفة صفية.

تعليم مهني وهادف

من جهته، شدد مصطفى تريسي (37 عاماً)، وهو مدير مدرسة الصالحية العامة، على ضرورة وجود التعليم الخاص “المهني والهادف” في هذه المرحلة الحرجة الذي يمر بها التعليم العام.

و”ما زاد الطين بلة”، بحسب “تريسي”، هو أن غالبية المدارس الخاصة بدلاً من تقديم المساعدة في هذه الفترة، “تتسابق إلى رفع أسعار رسوم التسجيل.”

وقال: “تراجع قطاع التعليم العام في إدلب بشكل كبير في السنتين الأخيرتين لما شهدته المنطقة من حروب وحملات عسكرية أفضت لتدمير أكثر من 98 مدرسة بين الكلي والجزئي.”

وأضاف: “كما تم تهجير آلاف الطلاب من مدارسهم بريفي حماة وإدلب وانتقالهم إلى المدارس الشمالية، إذ لم تعد هذه المدارس قادرة على استيعاب المزيد من الطلاب الجدد.”

إعداد: سمير عوض ـ تحرير: معاذ الحمد