السويداء – نورث برس
قال أكاديميون اقتصاديون في مدينة السويداء، جنوبي سوريا، إن احتجاز كميات كبيرة لمياه نهر الفرات، هو بمثابة حرب اقتصادية ضد مناطق شمال شرقي البلاد، ويمثل خرقاً واضحاً للاتفاقيات الدولية المبرمة بين البلدين الجارين.
ولم يستعبد هؤلاء أن تكون حكومة دمشق “متواطئة بالخفاء” مع تركيا لزيادة الضغط على قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية، في حين أن “غياب موقف دمشق يزيد من الاحتمال.”
ومنذ أكثر من ثلاثة أشهر، تحبس تركيا المياه في ست سدود، أكبرها سد “أتاتورك” ثاني أكبر سد في الشرق الأوسط، بطاقة تخزين تصل إلى 48 مليار متر مكعب، مخالفة بذلك الاتفاقية الدولية.
وبحسب اتفاقية عام 1987 الموقعة بين دمشق وأنقرة والمتعلقة بنهر الفرات، تبلغ حصة سوريا من المياه القادمة من تركيا 500 متر مكعب في الثانية أي ما يعادل 2500 برميل.
بينما يقتصر الوارد المائي في نهر الفرات، الآن، على أقل من 200 متر مكعب، بحسب الإدارة العامة لسدود شمال شرقي سوريا.
“تواطؤ حكومي”
ومنذ بداية أزمة المياه، وتخفيض تركيا حصة سوريا، لم تحرك حكومة دمشق ساكناً ولم تتدخل، باستثناء اتهام تمام رعد، وزير الموارد المائية، الجانب التركي “بالسطو على كميات كبيرة من حصة سوريا من مياه نهر الفرات.”
وقال سعيد العاصي (55 عاماً)، وهو اسم مستعار لأكاديمي وناشط سياسي في السويداء، إن الحكومة “تتحمل مسؤولية كبيرة في رفع المطالبات إلى الأمم المتحدة والعالم للجم الممارسات التركية وسياستها الاستفزازية المتبعة ضد دول الجوار.”
ولم يستبعد “العاصي” “تواطؤ” حكومة دمشق مع تركيا للوصول إلى تفاهمات “تجعل نظامي أنقرة ودمشق في حالة القدرة على فرض أجندة سياسية جديدة شرق الفرات رغم الخلاف الظاهر لنا في العلن.”
وأضاف: “هناك أقنية سياسية تجري من تحت الطاولة بينهما عبر الوسيط الروسي تفضي إلى تضييق الخناق على الإدارة الذاتية.”
ولكن ” المستهجن في عملية حبس المياه هو الصمت الأميركي رغم تواجده في المنطقة وتحالفه المتين مع قسد.”
وأشار “العاصي” إلى أن لأميركا مصالح متشابكة مع الجانب التركي “ولكن كان حرياً بها أن تشكل ورقة ضاغطة على تركيا في إعادة ضخ المياه.”
قلة الوارد المائي تتسبب بتأثيرات سلبية على مختلف مناحي الحياة، حيث تضررت محاصيل زراعية كانت تعتمد على مياه الفرات، إضافة إلى تقنين في الكهرباء في معظم مناطق شمال شرقي سوريا، نتيجة انخفاض مناسيب البحيرات.
“ادعاءات كاذبة”
كما تسبب انخفاض منسوب المياه بخروج المضخات الخاصة بالشرب عن الخدمة في معظم المناطق، إضافة لتأثيرات سلبية على تأمين مياه الشرب للسكان والثروة السمكية والزراعة والأمن الغذائي للمنطقة بشكل عام.
وطالبت إدارة السدود العامة، في أكثر من مناسبة، الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية، للتدخل من أجل الضغط على تركيا للعودة إلى الاتفاقيات الدولية بخصوص كميات المياه، “لأن الوضع الحالي يهدد بكارثة إنسانية وبيئية.”
وقال أسامة الهنيدي (50 عاماً)، وهو اسم مستعار لأكاديمي اقتصادي يعيش في السويداء، إن “الادعاء التركي القاضي بأن بلادهم تتعرض إلى جفاف وحاجة ماسة للمياه ليست سوى أكاذيب.”
وأشار إلى أن تركيا تقوم بإنشاء خمسة سدود عملاقة في أراضيها منذ سبعينات القرن الماضي على مجاري منابع الفرات، تم إنجاز ثلاثة منها “ولم يبق سوى اثنين، أحدهما سد “أتاتورك” على حساب ملايين السكان السوريين.
واعتبر “الهنيدي” أيضاً أن احتجاز تركيا للمياه حرب اقتصادية ضد سكان مناطق الجزيرة السورية، في محاولة “للضغط على قياداتها السياسية والعسكرية من قسد في تقديم تنازلات أو الرضوخ إلى مطالب تركية تحضر لها في قادم الأيام.”
فيما رأى فراس الصفدي (40 عاماً)، وهو ناشط مدني من سكان السويداء، أن هناك حاجة ماسة وملحة إلى جعل حرب المياه التي تنتهجها تركيا ضد السوريين “قضية رأي عام ورفع مذكرات ورسائل مدنية إلى جميع الهيئات والمنظمات الدولية.”
وطالب “الصفدي” الشباب السوري المدني والمجتمعات الأهلية والمحلية في جميع الأراضي السورية بالخروج في مظاهرات للتنديد “بمحاربة الإنسان السوري بأمنه المائي والغذائي على حد سواء.”