منازل سكان بدمشق عيادات لأطباء “يستنزفون” جيوب مرضاهم

دمشق – نورث برس

يتساءل ماهر حديدي (42 عاماً)، باستهجان عن الطبابة المجانية التي تتغنى بها المشافي الحكومية في دمسق، خاصة إذا كانت أجرة الطبيب لقاء الإشراف على علاج ابنته في المنزل تكلفه ٢٥ ألف ليرة سورية في اليوم الواحد.

ويعادل هذا المبلغ ربع راتبه، لقاء قيامه بتبديل الضماد الموضوع على الحرق فقط، وبعد أن قام بشراء كافة المستلزمات والأدوية من حسابه الشخصي.

ومن المفترض أن تقوم الحكومة بتأمين الخدمات الطبية بالمجان للسكان وفق النظام المتبع، إلا أن إغلاق معظم المشافي الحكومية في وجه معظم الحالات المرضية غير المصابة بفيروس كورونا يضطر السكان لطلب الأطباء إلى منازلهم.

وهو ما يترك السكان وخاصة ذوي الدخل المحدود والمتدني تحت “رحمة” الأطباء الذين يتهمهم سكان باستغلال حاجة المرضى بطلب أجور غير منطقية، تفوق إمكاناتهم المالية.

يقول “حديدي” وهو موظف في القطاع الخاص ويسكن في حي الزاهرة، لنورث برس، إنه اضطر لسحب سلفة على راتبه واستدان مبلغاً من أحد أقاربه، لتأمين أجور الأطباء.

وأصيبت ابنة “الحديدي” بحروق في وقت سابق، وتحتاج لعناية خاصة بشكل يومي، كما أنه يضطر لدفع تكاليف باهظة لقاء توفير مراهم وضماد ومعقمات من الصيدليات لعدم توفرها في المشافي العامة.

ويشتكي سكان آخرون في دمشق من ارتفاع أسعار المعاينات الطبية وأجرة الزيارات المنزلية لمبالغ يعتبرونها “خيالية” وأعلى بكثير من قدرتهم المالية.

أذن من طين

وما يزيد من قتامة المشهد هو “التجاهل التام” من قبل نقابة الأطباء ووزارة الصحة ومديريتها لهذه التجاوزات، بحسب سكان.

ويقول البعض إن اللجان المسؤولة عن متابعة الأطباء، تضم أطباء يرتكبون التجاوزات ذاتها، ما يؤدي لإهمال تام للشكاوى التي يقدمها السكان.

وقال هلال المنعم (٣١ عاماً)، وهو عامل في محطة محروقات ويسكن مع أمه في حي ركن الدين، لنورث برس، إن كل ما يكسبه من عمله يذهب لتغطية نفقات علاج المضاعفات التي تعرضت لها والدته المقعدة إثر إصابتها بفيروس كورونا.

 وباتت اليوم بحاجة إلى قناع تنفسي دائم ومراقبة طبية دورية.

وأضاف “المنعم” أنه مع الأزمة الخانقة في المشافي الحكومية، وعجزه عن تحمل تكاليف المشافي الخاصة، بات النصيب الأكبر من تلك النفقات يذهب للمعاينات المنزلية.

ومثله مثل غيره اتهم الشاب أطباء بـ”استغلال” الأوضاع الحرجة وحاجة السكان في ظل انتشار الوباء، بطلب أجرة “خيالية” مقابل الزيارة المنزلية.

ومؤخراً تقدم “المنعم” بشكوى رسمية لدى نقابة الأطباء في دمشق، ليتبين له لاحقاً أنها وضعت في الأرشيف دون التدقيق فيها أو الاطلاع عليها. وقال:” إلنا الله بيغنينا عنهم وعن علاجاتهم.”

من هو الملام؟

مقابل شكاوى السكان، يرى أطباء أن أجورهم المحددة من قبل وزارة الصحة، “ليست مقبولة” في الظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد.

وقال ثائر كرّاع (٢٩ عاماً)، وهو اسم مستعار لطبيب مقيم باختصاص الجراحة العامة في مشفى ابن النفيس، لنورث برس، إن عدد الزيارات المنزلية ازدادت في الفترة الأخيرة بسبب خطة الطوارئ المطبقة في المشافي.

ويجري الآن نحو خمس زيارات بشكل يومي، بين تبديل ضماد وفحص عام وعناية طبية، في حين أصبحت المعاينات المنزلية تشكل الجزء الأكبر من دخله في ظل تدني راتبه البالغ ٥٠ ألف ليرة سورية.

يقول الطبيب: “التسعيرة الرسمية التي أقرتها وزارة الصحة السورية عام ٢٠٠٤ بـ ٣٠٠ ليرة للطبيب العام و٥٠٠ ليرة للأخصائي مازال معمولاً بها حتى اليوم  وهذا غير منطقي.”

وهذا ما يجبر الأطباء على اختيار الأجر الذي يؤمن لهم معيشة جيدة، رغم انتهاز البعض لهذه الفرصة لاستغلال المرضى ونهبهم، بحسب” كرّاع”

وقال إن أجور المعاينات المعتمدة من قبل نقابة الأطباء مازالت على حالها منذ ١٥ عاماً رغم أن القانون ينص على تعديلها كل ثلاثة أعوام.

وهذا الأمر جعله أمام خيارين، إما رفع أجرته ليستطيع العيش وسط حالة الغلاء في البلد، أو الهجرة.

إعداد: رغد العيسى – تحرير: فنصة تمو