دمشق – نورث برس
منذ اللحظة الأولى التي سمع فيها هادي الصالح (64 عاماً)، وهو صاحب بقالية متواضعة في حي باب مصلى الدمشقي، عن قرار حماية المستهلك علم بأن عليه رفع الإتاوات التي يدفعها بشكل روتيني لدوريات التموين، في وقت يبث فيه الإعلام الحكومي هذه الأخبار دون الكشف عن “الفاسدين الكبار.”
ويعلم “الصالح”، وهو مدرس متقاعد، مَن هم الفاسدون، ويعلم أيضاً أن هامش الربح الذي يتقاضاه، أو حتى الرشوة التي يأخذها الموظف أو الجابي، “ليست مكيال ذرة مقارنةً بما يتقاضاه ويسرقه كبار الفاسدين.”
“محاسبة انتقائية”
لكن “ما الفائدة من معرفتي هذه المعلومات، إذا لم يسلط الإعلام الضوء عليها”، يقول “الصالح”.
ويضيف بامتعاض: “إعلامنا، وكما يراه جميع من أعرفهم من صغار الكسبة، ليس سوى مخرج لمسرحية أبطالها هم الفاسدون الكبار، وضحاياها نحن.”
ومثلهم مثل “الصالح” يعبر سكان في دمشق وريفها عن استيائهم من طريقة تطبيق قانون حماية المستهلك الجديد، وخاصة من ناحية تناول وسائل الإعلام الحكومية لتطبيقه.
وفي الثاني عشر من نيسان/أبريل الماضي، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم (8) لعام 2021 المتضمن قانون حماية المستهلك الجديد.
ويهدف القانون إلى حماية حقوق المستهلك، وضمان سلامة الغذاء، ومنع الاحتكار، من خلال وضع ضوابط لممارسة التجارة والتسعير، وفرض الرقابة على جودة المواد والمنتجات.
كما يشدد القانون العقوبات والغرامات على الاحتكار، والبيع بدون فاتورة، وعدم إعلان الأسعار، والتلاعب بالوزن والمكاييل، والبيع بأسعار زائدة، والغش.
وتحول القانون لمادة إعلامية على المحطات الفضائية التابعة للحكومة السورية خلال شهر رمضان.
وأسلوب وسائل الإعلام بعرض المخالفات، “جعل الناس يسخرون من مقدمي هذه البرامج، ويتعاطفون مع المستهدفين من صغار الكسبة”، بحسب سكان.
وقالت سناء الزاهر (46 عاماً)، وهو اسم مستعار لموظفة تعمل في بنك خاص وتقيم في حي العباسيين، إنه يمكن بكل سهولة ملاحظة زيف وكذب التصريحات الرسمية والتقارير الإعلامية التي يروج لها الإعلام الحكومي، حيث يكفي زيارة واحدة للسوق ومراقبة الأسعار لمعرفة الحقيقة.
وذكرت، لنورث برس، أنه بالرغم من صدور القانون، وانخفاض سعر الصرف وتغييره في البنك المركزي، فإن أسعار السلع لم تتغير في السوق.
“تقارير مسيسة”
وفور رؤيته كاميرا ومراسلي التلفزيون الرسمي يقومون بصناعة تقارير إعلامية في الأسواق، قرر حاتم أسعد (41 عاماً)، وهو اسم مستعار لصاحب محل لبيع المواد الغذائية في سوق باب سريجة، إغلاق محله.
وتستهدف هذه التقارير بحسب “أسعد” أصحاب المحلات، “وتتعامى قصداً عن سبب ارتفاع الأسعار وغلاء المواد الناتج عن الاحتكار من كبار المتنفذين.”
ويتقصد المصورون والمراسلون “الضعفاء بالأسواق، عجوزاً أو كهلاً يعمل بشقاء ليعيل أسرته، يصورونه ويشهّرون به ويقطعون رزقه لتحسين صورة الحكومة.”
وتساءل الرجل: “لماذا لا نجد التلفزيون عندما يقوم مراقبو التموين بابتزازنا وأخذ الإتاوات؟.”
“قانون غير مُجدٍ”
ومنذ العام 2016، تتحدث الحكومة السورية عن قانون حماية المستهلك الجديد، بحسب ما قال رائد حسين (55 عاماً)، وهو اسم مستعار لمحامٍ يقيم في حي الجسر الأبيض.
ورأى أن الحكومة “تناسته لفترة، ثم عادت بعد سنوات لتطرحه بشكل سريع” على أساس قانون حماية المستهلك الشهر الماضي.
ورغم أن القانون لم يمرّ على مجلس الشعب كما يفترض، لكنه تضمن دمج عقوبتي الغرامة والسجن لمن يتاجر بالمواد المدعومة والمواد مجهولة المصدر، بحسب المحامي.
وقال إن هذا القانون لم يطبق كما يجب، فغالبية المخالفات، كبيع مواد بدون ترخيص، أو بدون إعلان عنها، أو ما يخص السجل التجاري، هي غرامات مالية، والعمل لم يكن بشكل جدي لملاحقة من يحتكر المواد المستوردة أو المضاربين على أسعار السلع أو الدولار.
وفيما يخص العقوبات، أشار إلى أنها تتراوح بين حد أعلى وأدنى، ما يدل على أنها تركت لصدور التعليمات التنفيذية، فكانت المخالفات التي صدرت وتصدر بحق صغار الكسبة أو غيرهم لليوم، “هي في الحقيقة تصب في خزينة الدولة أو الوزارة، لا في مصلحة المواطن كما يدعون.”