دمشق ـ نورث برس
بينما كانت تمارس رياضة الركض كما اعتادت كل يوم، تعرضت نور فرناز (27 عاماً)، وهو اسم مستعار لنازحة من دير الزور تقيم في صحنايا بدمشق، لمحاولة اعتداء جنسي شكلت بالنسبة لها مصدراً لذعر كلما تذكرت الموقف.
وتحولت منطقة بساتين الزيتون في صحنايا من متنفّس للسكان والعائلات في البلدة الواقعة جنوب غربي دمشق إلى إحدى الأماكن الأكثر خطورةً على النساء، حيث تشهد بشكلٍ متزايد حوادث تحرش.
وتروي الطالبة في كلية الطب البشري بجامعة دمشق ما حدث معها: “في عصر ذلك اليوم من شهر آذار/مارس الفائت، خرجتُ كعادتي لممارسة الرياضة، وقد اعتدت على وضع سماعات الهاتف في أذني للاستماع إلى الموسيقا، لكني لوهلة تفاجأتُ بيد شخص تمتد إلى جسدي من الخلف.”
بدأت “نور” مباشرةً بالصراخ والشتم، وحاولت ضربه، إلى أن فر وتركها.
وتقول إنها عندما تعرضت للحادثة كان شابان يستقلان سيارة بالقرب من المكان، “شاهدا ما جرى لكنهما لم يحركا ساكناً.”
وتضيف: “على العكس فقد نظرا إليَّ بسخرية ولم يسألاني إذا ما كنت بحاجة للمساعدة.”
وتتميز منطقة زيتون صحنايا بكثافة أشجار الزيتون، إضافة لوجود منتزهات صيفية خاصة بالعائلات، كما تقول “نور”.
وتضيف: “في نهاية الطريق ثمة مطاعم تقام فيها حفلات زفاف خاصة وأخرى عامة، وغالباً ما تشهد المنطقة إطلاق رصاص.
لم تتقدم “فرناز” ببلاغ إلى المخفر حول الحادثة، وقالت: “نظرات عناصر الشرطة في المخفر على حالة كحالتي، هي تحرش آخر بحد ذاتها، عدا عن أن ذلك لن يقدم أو يؤخر أي شيء.”
وأضافت: “لن تطأ قدمي تلك المنطقة مجدداً، وسأكتفي بحالة الذعر التي ترافقني منذ الحادثة.”
ويوجد طريق وحيد وضيق بين الزيتون، يخدم هذا الطريق نوعين من الناس بحسب الوقت، فهي مقصد للسكان لممارسة الرياضة صباحاً، ثم للتنزه والجلوس بين الشجر وتناول الطعام وتبادل الأحاديث، حين يسمح الطقس بذلك.
أما ليلاً، فهو طريق للسيارات المتجهة إلى السهرات في المطاعم، مسرعةً بصوت صاخب ومفيّمة بالأسود، بعض السكان يعرفون فور دخولها صحنايا، أنها متجهة نحو مطاعم الزيتون.
بوعد تردد صدى الحالات المتكررة للتحرش والاعتداء، غيرت ليلى طهماز (42 عاماً)، وهو اسم مستعار لمحامية متزوجة، اعتادت الركض رفقة ابنتها ذات الـ19 عاماً فجر كل يوم، موعد خروجها لساعات أخرى.
تقول: “أصبحت أخرج في ساعات أخرى، وبمرافقة ابني وابنتي تفادياً لوقوع حوادث مزعجة.”
وأعربت “طهماز” عن شعورها بالحزن على ضحايا هذه الوقائع، “التي ليس من الغريب حدوثها في أيّ منطقة في دمشق.”
وتتعرض النساء دائماً لهذه المواقف “نتيجة تجاهل المجتمع لمحاسبة هكذا أشخاص، بل على العكس يتساهلون معهم ويلقون اللوم على المرأة”، بحسب المحامية.
وميّز قانون العقوبات السوري بين أنواع الاعتداء بحسب درجتها، والتي من أشدها الاغتصاب، ثم التحرش، ثم الفعل المنافي للحشمة، ثم التعرض للآداب العامة، وهذه الجرائم (ما عدا الاغتصاب) هي جنح تتراوح عقوبتها بالسجن ما بين ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات.
وتشير المادة ٥٠٦ من قانون العقوبات في سوريا إلى أنه: “من عرض على قاصر لم يتم الخامسة عشرة من عمره، أو على فتاة أو امرأة، لهما من العمر أكثر من خمس عشرة سنة، عملاً منافياً للحياء أو وجه إلى أحدهم كلاماً مخلاً بالحشمة، عوقب بالحبس التكفيري ثلاثة أيام، أو بغرامة مالية لا تزيد عن خمسة وسبعين ليرة، أو بالعقوبتين معاً.”
يزن مرزوق (35 عاماً)، وهو اسم مستعار لصاحب مكتب عقاري في بلدة صحنايا، متزوج وله ولد، ما يزال يخرج كلما سمحت له الفرصة مع زوجته بالسيارة إلى الزيتون، “أملاً في إيجاد الشخص الذي تحرش بزوجته في وقت سابق.”
يقول: “لن ألجا إلى الأمن أو القضاء لأسترد حقي، فأنا واثق أن من يقوم بمثل هذه الأفعال سيكون أحدهم، أو محمياً من قبلهم.”
أما وردة الصبحي (٢٨ عاماً)، وهو اسم مستعار لربة منزل من سكان صحنايا، ولديها طفل، فلم تعد تذهب بذلك الاتجاه (زيتون صحنايا)، “بعد تعرضها للتحرش اللفظي أكثر من مرة من قبل بعض تجمعات الشباب.”
وأخفت “الصبحي” الموضوع عن زوجها وأهلها، “تجنباً للمشكلات التي من الممكن أن تتعرض لها.”
وقالت روعة محمد (٣٦ عاماً)، وهو اسم مستعار لناشطة في مجال حماية النساء من العنف القائم على النوع الاجتماعي، لنورث برس، إن “ظاهرة التحرش ليست جديدة على المجتمع السوري.”
وذكرت أن غياب الدور الرادع للقانون، وعدم مواءمة مواده للواقع، تشكل سبباً رئيساً لانتشار مثل هذه الظاهرة.
وأضافت أن النظرة المجتمعية الدونية للمرأة، ووصمة العار التي قد تلاحقها، جراء تعرضها لحادثة لا علاقة لها بها، يدفعانها لتجنب تسجيل الشكوى أو إعلام أحد بالموضوع.
وحتى لو تجرأت إحدى النساء على تقديم شكوى، واللجوء للقضاء، فإن إثبات الحادثة أو معرفة المعتدي قد تصبح مهمة مستحيلة، هذا إن لم يكن محمياً من الحكومة، ما يترك الموضوع دون فائدة، بحسب الناشطة الحقوقية.
وقالت إنه “في ظل هذا التقصير الأمني والقضائي والمجتمعي معاً، ستتحول سوريا كلها، لا منطقة الزيتون فقط، إلى بؤرة من الخطر، وسيفقد السكان عموماً، والمرأة بشكل خاص القدرة على العيش في البلاد.”