“الكبسات” الأمنية على سوق خضار بريف دمشق هاجس للباعة والسكان

دمشق – نورث برس

رغم دفع الرشاوى، تتعرض خيمة بيع الخضار العائدة لنادر حتو (38 عاماً)، في سوق “بريد” صحنايا، إلى “هجماتٍ أمنية”، رغم أن تلك الرشاوى تقيه أحياناً مما تسمى شعبياً “كبسة.”

وأعرب عدد من سكان وعمال بلدة صحنايا، الواقعة في الريف الجنوبي الغربي للعاصمة دمشق، عن استيائهم من الممارسات الأمنية التي تطال الباعة في هذا السوق، خلال شهر رمضان الحالي.

ويقع السوق، المكون من خيم تحوي بسطات خضار، بجانب مؤسسة الهاتف في صحنايا في محيط موقف سيارات أجرة يشهد ازدحاماً نتيجة وصله صحنايا وأشرفيتها بقرى وبلدات الريف الجنوبي الغربي كجديدة عرطوز وجديدة الفضل.

رشاوى من أجل البقاء

ويقول نادر حتو (٣٨ عام)، وهو متزوج وله ستة أولاد ويسكن في منطقة العلالي بالقرب من صحنايا، إنه استثمر الخيمة مع أخوته المزارعين “ليحققوا أرباحاً أكبر من خلال بيع محاصيلهم بأنفسهم للزبائن دون الحاجة لبيعها لتجار آخرين.”

ولقاء السماح بالعمل هنا، يضطر “حتو” لدفع مبلغ يصل إلى ٥٠ ألف ليرة سورية شهرياً، لأطراف متعددة في صحنايا.

ويؤمن ما يدفعه حماية نسبية من الحملات الأمنية والحكومية، فهذه الرشاوى تبعد عنهم هجمات الجهات المحلية التابعة لصحنايا، ويتم إعلامهم بقدوم جهات من المحافظة أو غيرها، لحزم أغراضهم وإفراغ خيمتهم وإغلاقها، ريثما تنتهي “الكبسة”.

ويقول براء سالم (٥٢ عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد مستثمري الخيم، متزوج وله أربعة أولاد ويعيش في أشرفية صحنايا، إنه يعمل في هذا السوق منذ ثلاث سنوات، ونادراً ما يبقى مستثمرو هذا السوق لأكثر من عام.

وتقوم الجهات الحكومية والبلدية وجهات أمنية أخرى باستبدال المستثمرين بحسب مصالحهم.

يقول “سالم” لنورث برس إن الموقع “المربح” لهذا السوق، يجعل الحصول على خيمة أو بسطة محل تفاوض مفتوح لدى الجهات الأمنية.

وعندما لا تستطيع مجابهة هذه الجهات بالوساطات والمعارف الشخصية فأنت أمام خيارين، “إما دفع مبلغ أكبر وهذا قد يبقي على عملك في السوق، وإما توضيب أغراضك والرحيل.” بحسب البائع.

حذار من المنافسة

يقول “سالم”، بحكم خبرته في هذا السوق، إن إحدى أهم القواعد هي ألا تقع الخيم في دائرة المنافسة، فإنهم يجتمعون كل يوم جمعة، لتحديد ما سيعرض في كل خيمة، والأسعار الواجب اعتمادها من قبلهم.

كما ويتعاملون مع سيارات مشتركة لإحضار الخضار من سوق الهال أو من المزارع، توفيراً للتكاليف على الجميع، إلى جانب اجتماع آخر الشهر الذي يقام لجمع الإتاوات للجهات الأمنية، بحسب ما يقوله “سالم.”

ويقوم أقدم مستثمر في السوق بتوصيل تلك الإتاوات وتوزيعها على المتحكمين بأعمال السوق.

ويضيف “سالم” أن سبب بقاءه لكل هذه الفترة “هو خبرته” في التعامل مع تهديدات العمل، حيث يقوم أسبوعياً بإرسال الخضار والفواكه مجاناً إلى عدد من الأشخاص، الذين يمنحونه امتيازات إضافية في السوق.

وبهذه الوسائل يضمن البائع أنه “عندما تخرج الأمور عن السيطرة، لن يكون من بين المطرودين من السوق”، بحسب قوله.

لكن قبل إنشاء السوق في العام ٢٠١٣، لم يكن النظام فيه على الشكل الحالي فكان عبارة بسطات مؤقتة تتغير بحسب المواسم.

توفير في الأسعار

يقول أنس معلل (٣٩ عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد السكان المقيمين بجانب السوق، لنورث برس، إنه يحضر يومياً حاجاته من الخضار من هذا السوق، ويوفر عليه “الكثير” من المال، فهو لا يستطيع تحمل تكلفة أي نوع من أنواع الفاكهة إلا من هذا السوق.

ويذكر “معلل” أن فارق الأسعار كبير بشكل لا يصدق، ففي وقت يباع الكيلو غرام الواحد من “الجانرك” في الأسواق بسعر يتراوح بين خمسة آلاف وسبعة آلاف ليرة سورية، تجده في هذا السوق بـثلاثة آلاف ليرة.

أما الخضار، فلا يزال حتى اليوم قادراً على شراء البندورة المخصصة للطبخ بـ ٢٥٠ ليرة للكيلوغرام الواحد، “وهو ما لن تجده بمكان آخر في كل صحنايا”، على حد قوله.

ويضيف “معلل” أن الهجمات الأمنية التي تتسبب بإغلاق السوق ليوم أو يومين، تضطره للذهاب إلى سوق التنظيم البعيد نسبياً، والذي يبقى أرخص قليلاً من المحال المستقلة، إلا أنه أغلى من سوق “البريد.”

إعداد: رغد العيسى – تحرير: محمد القاضي