الأجبان.. منتج شعبي أبعده الغلاء عن متناول عائلات في الرقة

الرقة – نورث برس

لم تكن فاطمة العمر (٥٥ عاماً) تتوقع أن تجوب مدينتها الرقة، شمالي سوريا، بحثاً عن سعر “معقول” لشراء مؤونة عائلتها من الجبن، ذاك المنتج المحلي والشعبي الذي طاله الغلاء هذا العام.

ومنذ الصباحات الباكرة في هذه الفترة من العام، تتوجه نساء في مدينة الرقة إلى سوق الألبان وسط مدينة الرقة لاختيار الأجبان الطازجة، وانتقاء الأكثر جودة بينها  فور وصولها من الأرياف.

لكن الأمر لم يجرِ بالسلاسة ذاتها هذا العام بعد أن شمل الغلاء كل السلع، خاصة الغذائية وبما فيها الشعبية التي اشتهرت المنطقة بإنتاجها.

نصف الكمية

وقالت “العمر”، وهي ربة منزل من سكان حي الرميلة في الجهة الشرقية  للرقة، إن نسبة ارتفاع الأجبان “غير معقولة” رغم حلول موسم إنتاجها.

والعام الفائت، اشترت الكيلوغرام الواحد من الجبن بـ 2.800 ليرة سورية، إلا أن الأسعار حالياً تشير إلى ستة آلاف ليرة للكيلوغرام الواحد.

واعتادت “العمر” كل عام على شراء كمية من الجبن تزيد عن ٥٠ كغ، كمؤونة لعائلتها المكونة من ١٢ شخصاً، “لكن الوضع مختلف هذا العام، ولا أستطيع حتى شراء نصف تلك الكمية.”

وتعتمد العائلة على مرتب تقاعدي للأب لا يتجاوز 40 ألف ليرة (ما يعادل 13 دولاراً أميركياً)، إلى جانب ما تجنيه البنات من عملهن في الخياطة النسائية.

ولم تسعف خطط بسيطة للاقتصاد المنزلي ربات المنازل في تأمين ثمن ما يلزم عائلاتهن من أجبان وأصناف أخرى من المؤونة.

وقالت منى العلي (٣٥ عاماً) إن تزامن موسم تخزين الجبن هذا العام مع شهر رمضان واقتراب العيد، جعلها تنوي الاقتصاد في الكمية بالنسبة لأعوام ماضية.

واستبعدت “العلي” خيار تأجيل شراء مؤونتها إلى ما بعد العيد، لأنها تتوقع ارتفاع الأسعار أكثر، “فالأهالي منشغلون الآن بالصيام وتحضيرات العيد وسيزداد الطلب على الجبن بعد العيد.”

إنتاج قليل

يحدث هذا على الرغم من أن أرياف الرقة تعد من المناطق الزراعية المناسبة لمشاريع تربية المواشي، إلا أن تدهور الواقع الزراعي خلال سنوات الحرب كان له الأثر الأبرز على تراجع الإنتاج الحيواني أيضاً.

كما أن حبس تركيا لمياه الفرات مؤخراً أثر على غالبية السكان والأعمال في المنطقة، أبرزها القطاع الزراعي والكهرباء، وهو ما يعيق إعداد مساحات من المحاصيل العلفية أيضاً، بحسب مزارعين في الرقة.

وأواخر نيسان/ أبريل الفائت، أصدر اتحاد الفلاحين في الرقة بياناً استنكر فيه قيام تركيا بتخفيض تدفق نهر الفرات نحو الأراضي السورية، ما أدى إلى خروج أراض زراعية عن خط الإنتاج نتيجة نقص مياه الري.

ودعا البيان المنظمة الدولية “الفاو” المعنية بالشؤون الزراعية لمتابعة واقع مياه نهر الفرات والضغط على تركيا في المحافل الدولية لتحصيل حصة سوريا من نهر الفرات.

ومن جهته، قال علي المرادي (٦١ عاماً)، وهو صاحب محل لبيع الألبان وسط المدينة، إن كميات الإنتاج متدنية جداً هذا العام بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار.

وأضاف لنورث برس: “نسبة الإقبال على الشراء ضعيفة جداً مقارنة بالأعوام الماضية، هناك من زبائني من اكتفى بنصف الكمية التي اعتادها، بسبب عدم قدرتهم على شراء كامل حاجتهم.”

وهذه الأيام، لا يحصل “المرادي”، الذي يعمل في هذه المهنة منذ 25 عاماً، سوى على 175 كيلوغراماً من الجبن يومياً، بينما كانت الكمية المباعة في محله خلال أعوام سابقة تتجاوز 400 كيلوغرام.

ويعتقد البائع أن لشح الأمطار وما تكبده مربو الماشية من خسائر بسبب غلاء الأعلاف وإغلاق المعابر الدور الأبرز في هذا الغلاء.

وقال: “يضطر المربون للتفكير في تعويض جزء من خسائرهم من خلال بيع منتجات قطعانهم بأسعار أعلى.”

إعداد: أحمد الحسن – تحرير: حكيم أحمد