“تجار أسعار”.. صيادلة وموزعون في دمشق يتلاعبون بحليب الأطفال

دمشق – نورث برس

فقد “محمود” الرضيع الذي يبلغ من العمر عاماً واحداً، تدريجياً كامل كمية الحليب التي اعتادها يومياً، وذلك لعدم قدرة والده على تأمين حليب الأطفال بعد ارتفاع سعره وسط فقدان أصناف منه في أسواق وصيدليات العاصمة دمشق.

ومنذ أشهر، يشكل ارتفاع أسعار حليب الأطفال وفقدان أصنافه أزمة مضافة لمسلسل الأزمات التي تضغط على حياة السوريين ومعيشتهم بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب.

ويقول ذوو أطفال رضع وصيادلة إن للمشكلة أسباباً تتعلق بالتلاعب بالأسعار وأخرى بسبب تفاوت أسعار الصرف وسط عجز الجهات الحكومية عن ضبطها.

أسعار مضاعفة

وقال والد محمود، وهو موظف حكومي يبلغ من العمر 46 عاماً، إنه كان يكتفي قبل فترة بشراء علبة واحدة أسبوعياً بهدف عدم حرمان طفله بشكل كامل من الحليب، ” لكنني اليوم لم أعد أستطيع.”

ويبلغ سعر علبة الحليب (سعة 400 غرام) في بعض صيدليات دمشق عشرة آلاف ليرة سورية، وتباع في بعضها الآخر بسبعة آلاف، وهو ما دفع بعض السكان باتهام الصيادلة بالتلاعب بالأسعار.

وقد يلجأ البعض لطلب أصناف من حليب الأطفال من بيروت عبر صيدليات في دمشق، لكن ذلك قد يكلفهم 30 ألف ليرة سورية للعلبة الواحدة، بحسب أحد الصيادلة.

وعلل الأب عدم شرائه الحليب مؤخراً بأن الأمر كان يستهلك ثلاثة أرباع دخله الشهري، إلى درجة عدم قدرته على تأمين الأغذية الأساسية الأخرى لعائلته.

وفي آذار/ مارس الماضي، أعلن ممثل برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ومديره الإقليمي في سوريا، شون أوبراين، أن الأزمة في سوريا تسببت خسائر فادحة للشعب السوري “ففي كل يوم، يدفع بالمزيد والمزيد من السوريين نحو الجوع والفقر، وتواجه الأسر خيارات مستحيلة.”

وقدّر البرنامج في شباط/ فبراير الماضي، أن ما لا يقل عن 12.4 مليون شخص في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي والجوع.

أسعار متباينة

ويضطر آباء وأمهات للبحث في عدد من الصيدليات ومحال المواد الغذائية، بسبب تفاوت الأسعار وفقدان أصناف من حليب الأطفال كل فترة.

وقالت سمر خلف (30عاماً)، وهي أم لطفلين أحدهما رضيع، إن النوع الذي تشتريه لطفلها ينقطع كل فترة ثم يظهر في الصيدليات مجدداً بسعر أعلى.

وأضافت: “أضطر في أحيان كثيرة، للبحث عن علبة حليب في عدة صيدليات متباعدة، إذ يكون الجواب غالباً بأن مندوبي شركة نستله وغيرها، لا يوزعون سوى ثلاث علب لكل صيدلية أسبوعياً.”

وذكرت الأم: “كلما اعتاد أطفالي على نوع من الحليب، يُفقد من السوق، وأضطر لشراء نوع آخر بسعر مختلف.”

ويقول سكان إن أصحاب محال للمواد الغذائية يعرضون الأصناف بأسعار باهظة ويعللون ذلك باستيرادها من الإمارات أو لبنان، رغم أن بعضها أصناف سورية.

ووفقاً لما ذكره عبد الله الشامي، وهو اسم مستعار لصيدلي في دمشق، فإن الفترة الماضية شهدت تعديل أسعار حليب الأطفال عدة مرات من قبل وزارة الصحة في حكومة دمشق، وذلك بعد تعديل أسعار صرف العملات.

وقال الصيدلي إن التسعيرات الجديدة لحليب الأطفال، وانقطاع الأصناف لفترات، أدت لازدياد الطلب والتلاعب بسعرها وسط عدم تمكن وزارة الصحة من ضبطها.

وأعاد “الشامي” التفاوت في الأسعار إلى أن التوزيع خلال فترات نقص الكميات يقتصر على صيادلة وبائعين محددين.

توزيع مقنن

ورأى رامي محمد، وهو صيدلي آخر في العاصمة دمشق، أن مشكلة تفاوت الأسعار في الصيدليات لا تقتصر على مادة حليب الأطفال بل تشمل أصنافاً كثيرة من الأدوية.

وقال إن تسعيرات حليب الأطفال وغيره، باتت متوقفة على مزاج بعض أصحاب الصيدليات الذين وصفهم بـ”المتطفلين على مهنة الصيدلة.”

ولا يعارض الصيدلي “محمد” تقنين التوزيع من قبل مندوبي الشركات، “لتجنب انقطاع حليب الأطفال بشكل كامل.”

وأشار إلى أن أغلب أصناف حليب الأطفال المتوفرة اليوم هي ذات منشأ إيراني، “يستورد كمادة دوغما ويعبأ في سوريا.” 

ومن جهته، قال مصدر رسمي في وزارة الصحة إن تسعير حليب الرضع لمن هم دون سن العام، “مضبوطة من قبل الوزارة، كون ذاك النوع مدعوم حكومياً.”

وأضاف: “أما حليب الأطفال للأعمار التي تتجاوز العام يخضع استيراده لسعر صرف الليرة وفقاً للبنك للمركزي.”

وذكر أن الاختلاف في السعر بين صيدلية وأخرى، قد يعود لاختلاف سعر استيراد المادة وفقاً لسعر البنك المركزي أو أسعار الصرف في السوق الموازي.

إعداد: آرام عبدالله – تحرير: حكيم أحمد