دمشق ـ نورث برس
أدت الأزمات الاقتصادية والظروف المعيشية المتردية، إلى تغير عادات الدمشقيين في رمضان الذي كانت له طقوس خاصة توارثها سكان العاصمة من آبائهم وأجدادهم.
واعتبر سكان من دمشق، أن هذا الشهر المبارك هو الأصعب عليهم في ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية وسوء الظروف المعيشية.
ولعل أبرز عادة انحسرت في دمشق هي مشاركة الطعام مع الجيران وتسمى في اللهجة المحلية بـ”السكبة” حيث يتشارك الجيران الأطباق المختلفة التي يطبخونها كنوع من التفاعل العاطفي.
مشاركة الطعام
وقالت رنيم عودة (45 عاماً)، وهو اسم مستعار لربة منزل مقيمة في حي المهاجرين بدمشق، إن عادة مشاركة الطعام مع الجيران هي عادة قديمة ومتجذرة في ثقافة الدمشقيين.
وأضافت: “أتذكر منذ طفولتي كيف كانت والدتي ترسلني لآخذ السكبة إلى الجيران وكذلك كانت تأتينا السكب من الجيران أيضاً فكانت مائدة الإفطار خليط متنوع من المأكولات بعضها من إعدادنا وبعضها الآخر من إعداد الجيران.”
ولكن في ظل الغلاء والظروف المعيشية المتردية التي يعيشها السوريون بشكل عام، بدأت هذه العادة تضمحل وتغيب عن الدمشقيين شيئاً فشيئاً.
وقالت “عودة” لنورث برس: “مع الأسف فالعائلة الدمشقية الآن تفكّر كيف تقوم بتأمين ما يكفي لكل أفرادها من الطعام وباتت فرص مشاركة الطعام مع الجيران ضئيلة جداً في ظل عدم قدرة الدمشقيين تأمين قوت يومهم.”
وفي آذار/ مارس الماضي، أعلن ممثل برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ومديره الإقليمي في سوريا، شون أوبراين، أن الأزمة في سوريا تسببت خسائر فادحة للشعب السوري “ففي كل يوم، يدفع بالمزيد والمزيد من السوريين نحو الجوع والفقر، وتواجه الأسر خيارات مستحيلة.”
وأضاف: “بدون المساعدة المستمرة، ببساطة، لن تتمكن معظم الأسر السورية من البقاء على قيد الحياة.”
وقدّر البرنامج في شباط/ فبراير الفائت، أن ما لا يقل عن 12.4 مليون شخص في سوريا، أي 60% من السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي والجوع.
ومنذ أسبوعين، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد، مرسوماً قالت وسائل الإعلام الموالية للحكومة السورية، إنه “لحماية المستهلك وضبط الأسعار ومنع الغش والاحتكار.”
وذكرت حسابات الرئاسة السورية أن المرسوم رقم 8 للعام 2021 يحتوي مجموعة “واسعة ومشددة من الضوابط والعقوبات التي تكفل تنظيم حركة الأسواق التجارية بما يجعل التلاعب بالأسعار، أو الغش بالمواد جريمة تستلزم الحبس والغرامة المرتفعة معاً.”
لكن سكاناً من دمشق رأوا أنه “سيبقى حبراً على ورق كما غيره” في وقت تشهد أسعار المواد ارتفاعاً مستمراً رغم التحسن الطفيف الذي شهدته الليرة السورية خلال الأيام الفائتة.
لحوم وحلويات
وأدى ارتفاع أسعار اللحوم والحلويات في أسواق دمشق إلى غيابها عن منازل الكثير من العائلات الدمشقية.
وقال عصام الحرستاني، وهو اسم مستعار لستيني في العمر يعمل على بسطة لبيع الألبسة الداخلية، إنه بعد مرور عدة أيام من رمضان لم تحتوي أي وجبة إفطار لهم على مادة اللحم التي كانت في السابق أساسية في مائدة الإفطار الدمشقية.
ويعتبر اللحم عنصراً أساسياً في الطعام التراثي الدمشقي حيث يدخل في أكلات كثيرة مثل (الكبب والشاكرية والمحاشي وغيرها) من الوجبات التي يتميز بها سكان دمشق.
وأشار “الحرستاني” إلى أن أسعار اللحوم تتراوح بين 27- 30 ألف ليرة سورية وهو مبلغ كبير قياسياً بالوضع الاقتصادي والمعيشي للسكان ما جعل الكثيرين يعزفون عن شرائها.
كما أدى الارتفاع “الجنوني” في أسعار الحلويات إلى غيابها عن موائد الدمشقيين في رمضان.
ومن أبرز الحلويات التي كان سكان دمشق يقبلون عليها في رمضان الهريسة، القطايف بالجوز والقشطة، السمبوسك، الكنافة، البرازق، المشبك والخشافات.
سهرات المولوية
ومن بين العادات التي كان يتمتع بها السكان في دمشق هو خروج العائلات للمطاعم الدمشقية للإفطار والسهر في حضرة الأناشيد الدينية والرقصات المولوية (رقصة الدراويش) التي كانت ولا تزال جزءاً من طقوس رمضان.
والرقصة المولوية تسمى أيضاً بالرقصة الصوفية وهي نوع من الرقص يقوم فيه الشخص بالدوران حول نفسه يرافقه ترديد آيات وابتهالات من الذكر.
وقال سميح المارديني (53 عاماً): “رقصة الدراويش هي جزء من طقوس رمضان في دمشق حيث يخرج السكان إلى المقاهي والمطاعم ويسهرون في تلك الأجواء المفعمة بالأصالة والتراث.”
ولكن بسبب الظروف المعيشية المتردية باتت الكثير من العائلات الدمشقية تقيم سهراتها في المنزل بعيداً عن الطرب والسهر بسبب عدم قدرتهم على تحمل تكاليف الخروج إلى المطاعم التي أصبحت أسعار الوجبات والخدمات فيها خارجة عن طاقتهم، بحسب “المارديني”.
وأشار إلى أن الخروج والسهر في الأجواء الرمضانية الآن “بات مقتصراً على الطبقة الغنية والمقتدرة.”