الزواج المدني.. مطلب يصطدم بقانون الأحوال الشخصية والعادات الاجتماعية في دمشق

دمشق – نورث برس

تلقى دعوات العديد من النخب الشبابية في دمشق بإقرار الزواج المدني رفضاً من السلطات الحكومية واعتراض العديد من الشرائح الاجتماعية والدينية.

ومع تزايد الدعوات في الآونة الأخيرة المنادية بإقرار الزواج المدني في سوريا، لكن تلك المطالب تصطدم بعقبات قانونية واجتماعية تحول دون إقراره.

والزواج المدني هو زواج يتمّ توثيقه وتسجيله في المحكمة بين شخصين مُسجَليّن في السجلات المدنيّة لدى الدولة أو من المُقيمين فيها، ويُعتبر أساسه إلغاء الفروقات الدينيّة والمذهبية والعرقية بين طرفي الزواج.

عوائق دينية

ولعلّ المعاناة الناجمة عن عدم إقرار الزواج المدني تلقي بظلالها على سحر الهادي (25عاماً) وهو اسم مستعار لشابة متخرجة حديثاً من كلية الإعلام بجامعة دمشق التي تربطها علاقة عاطفية بشاب من الديانة المسيحية.

 وتواجه “الهادي” رفضاً من قبل ذويها ولا تملك خيارات أخرى للزواج كالتي تتمتع بها إذا كانت تريد الزواج من مسلم.

وأعربت “الهادي” عن سخطها من العادات والتقاليد الاجتماعية وما اسمته بـ”سطوة” الدين على مفاصل الحياة الشخصية.

وقالت: “لا أحد يريد أن يفهم أن الدين هو قناعة ينبغي ألا نقحمه في الأمور الخاصة بحياتنا الشخصية ومستقبلنا.”

ولم تخفِ “الهادي” أنها خطّطت مع حبيبها للهرب إلى لبنان والزواج هناك، لكن تحديات اقتصادية وأخرى شخصية دفعت كليهما للعدول عن الفكرة حالياً ريثما يتم إيجاد حل.

وأضافت: “قررنا السفر للبنان والزواج هناك لبناء أسرتنا لكن الأوضاع الاقتصادية والأحداث التي حصلت في لبنان وأسباب أخرى شخصية دفعتنا للعدول عن الفكرة حالياً.”

وفي العاشر من  آذار/ مارس الفائت، قال محمد عبد الستار السيد وزير الأوقاف في الحكومة السورية، إن “دمشق لن تقبل بإقرار الزواج المدني في سوريا” وذلك رداً على الدعوات المنادية بإقرار هذا النوع من الزواج في البلاد.

وأضاف “السيد” خلال مشاركته في ندوة أقامتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل: “ليعلم الجميع أن قانوننا محكوم بالشريعة الإسلامية، وقوانين الكنيسة والمذاهب الأخرى، ولن يكون هناك زواج مدني في بلادنا.”

زواج اختياري

وتتمثل التحديات التي تواجه المناصرين لإقرار الزواج المدني أنه يُصَنَفْ في الشريعة الإسلامية وفي القانون السوري بالزواج “الباطل”، وهذا من أحد أبرز الأسباب وراء رفض الشريحة المحافظة في المجتمع الدمشقي لإقرار هكذا زواج، بحسب مراقبين.

 لكن مناصرو الزواج المدني يؤكدون عدم مطالبتهم بإقراره “بديلاً” عن الزواج الشرعي بل أن مطالبهم تتمثل بأن يكون الزواج اختيارياً بين من يريد أن يكون زواجه مدنياً ومن يريده شرعياً.

وقال حسام العائدي وهو اسم مستعار لطالب جامعي، “نحن لا نطلب أن يكون الزواج المدني بديلاً عن الشرعي بل نريد أن يكون هذا الأمر اختيارياً.”

وأضاف: “المتزوجان ينبغي أن يملكان حرية الاختيار فيما إذا كانوا يريدون الزواج على الطريقة المدنية أم على الطريقة الشرعية.”

ورأى “العائدي” أن إقرار الزواج المدني في سوريا “ضروري لأن من شأنه إحداث انسجام حقيقي بين جميع المكونات الدينية والعرقية في سوريا.”

وبحسب رأيه فإن إقرار الزواج المدني “سيكون مدخلاً لتحقيق مزيد من الانسجام الاجتماعي بين مختلف المكونات السورية.”

وأشار إلى أن علاقات الزواج والمصاهرة بين الأديان والمذاهب المختلفة في سوريا “ستعزز من  أواصر العلاقات الاجتماعية وتزيد من التقارب الاجتماعي فيما بينهم”، بحسب قول “العائدي”.

رفض قانوني

وقالت لين علي (33عاماً) وهو اسم مستعار لمحامية مقيمة بدمشق، إن القانون السوري رغم تصنيفه بالعلماني “لكن يحتكم إلى الشريعة خاصة في أمور الزواج والطلاق والميراث.”

وتنص الفقرة الثانية من المادة 48 في قانون الأحوال الشخصية على أن زواج المسلمة من غير المسلم “باطل” وأي حديث عن إقرار الزواج المدني يجب أن يرافقه تغيير في العديد من مواد قانون الأحوال الشخصية القائم أصلاً على الأحكام الشرعية.

ورأت المحامية أن الزواج المدني لأنه “باطل” في القانون السوري فإن آثاره “باطلة” أيضاً”.

وأضافت: “هذا يعني أنه لن يمتلك الطرفان المتزوجان مدنياً حق النسب وتسجيل واقعات زواجهما وولاداتهما في الدوائر السورية وسيحرم الأولاد من حقوق المواطنة حتى لو تم هذا الزواج خارج البلاد.”

وعبّرت المحامية الدمشقية عن قناعتها بأن هكذا موضوع، “يحتاج إلى المزيد من الوقت حتى تترسخ ثقافة التعدد وتقبل أفكار وآراء الآخر.”

 إعداد: وحيد العطار- تحرير: سوزدار محمد