نقص مقومات الحياة يجعل الوقاية ضد كورونا غير ممكنة في مناطق حكومة دمشق

دمشق ـ نورث برس

الخوف من الإصابة بفيروس كورونا لم يساهم بنشر عادات مختلفة عند الكثير من سكان مناطق الحكومة السورية، لأن أعباء الحياة، وقلة الخدمات جعلت الحذر من الإصابة خارج تفاصيل الحياة.

ويتكدس السكان ضمن طوابير متعددة من استخدام وسائل النقل العامة إلى الوقوف على الأفران والصرافات، والأسواق الشعبية، وحتى المشافي العامة، حتى يتخيل للمشاهد من الخارج أن السكان غير معنية بشروط الحماية من مرض كورونا.

لكن الحقيقة أن هذا المرض يشكل قلقاً كبيراً لدى السكان، ولكن ضغط ظروف الحياة أقوى من سطوته.

ووصل عدد الإصابات بكورونا كما في إحصاءات وزارة الصحة لغاية العشرين من هذا الشهر 21.279 إصابة مؤكدة، منها 1.456 حالة وفاة و14.958حالة شفاء.

أسباب متعددة

وحاول فراس محمد وهو اسم مستعار لشاب في الأربعين من عمره موظف في القطاع العام الالتزام كثيراً بشروط الوقاية من هذا المرض.

وأصبح يتجنب استخدام المواصلات العامة ويضع الكمامة بشكل دائم، ويحمل معه علبة المعقم، كما توقف عن كل الأنشطة التي اعتادها.

ولكن وبعد مرور أشهر على هذا الالتزام الصارم، عاد لاستخدام المواصلات العامة والحياة بشكل طبيعي عندما تجاوزت سوريا الهجمة الأولى للفيروس، لكن بعد فترة ليست طويلة غاب فراس عن العمل ليتبين أنه من بين المصابين بكورونا.

في حين أن الآلاف ممن تجبرهم الحياة يومياً عن البحث عن سبل العيش، كعمال النظافة، والباحثين عن لقمة العيش في الأماكن العامة، ليس لديهم خيار القلق والخوف من كورونا، أو الأخذ بالاحتياطات لتجنب الإصابة.

والمتابع للمشهد العام يتبين له، أن فعاليات الدخل الأفضل يتشددون في إجراءات الوقاية، ويضعون لافتات على الأبواب تحذر من الدخول إلى المبنى دون وضع الكمامة، كما الحال في جمعية الصاغة والمجوهرات، وكذلك الحال في الكثير من المؤسسات الخاصة.

وبغض النظر عن مدى التشدد في إجراءات الحظر والالتزام بها، حصلت الكثير من الإصابات خاصة في أوقات الذروة كما يحصل الآن، وكانت العبارة الأكثر تكراراً لمن خرج من هذه التجربة وأصيب في المرضى، “لا تستهينوا بالأمر، فالمرض ليس مزحة.”

توجس وقلق

يتجنب زملاء العمل أو الأقارب التعامل مع الشخص المصاب حتى بعد عودته للعمل والتعافي من المرض، وهذا من عوامل الضغط النفسي على المصاب.

وقال وائل هشام (47 عاماً) وهو عامل في المجال الإعلامي، لنورث برس، إنه “كان يرى كيف يتجنبه زملائه في العمل بعد عودته للدوام، وكيف أن هذا السلوك يشعر المرء بأنه منبوذ.”

ويختلف الأمر مع الكادر الطبي والتمريضي الذين كانا الأكثر عرضة للإصابة، وقد خسرت سوريا الكثير من أطبائها، وطواقمها الطبية.

ويتعامل هذا الكادر مع المرضى المصابين مباشرة، وبينما يتحاشى البعض التعامل مع المصاب في أسرته، توافق الكثير من الممرضات على تقديم الرعاية المطلوبة للمصابين في منازلهم، وهنالك الكثير من الأسر الميسورة التي استعانت بممرضات لتقديم الرعاية للمصابين من العائلة.

وقالت سحر حسن (35 عاماً) وهي ممرضة في إحدى المشافي الخاصة في دمشق، لنورث برس، إنها تفرغت لرعاية مصابين بكورونا في منازلهم الدمشقية، وأن المبالغ التي كانت تتقاضاها عن كل يوم تعادل راتبها لأشهر.

وأشارت إلى أن بعض زميلاتها “تقاضين عن اليوم مبلغاً يفوق الراتب في عام، لأن أبناء تلك العائلات يخشون التعامل مع المصاب، وهم على استعداد لدفع كل المبالغ التي تطلبها الممرضة الموافقة على رعاية المصاب.”

وتعرضت الكثير من الممرضات للإصابة بالفيروس بسبب تقديم الإسعافات لأشخاص يتبين لاحقاً أنهم مصابين في كورونا، دون أخذ الحيطة المطلوبة.

وقالت هنادي يوسف (39 عاماً) وهي ممرضة في إحدى مشافي دمشق، إنها أمضت أياماً لا تحسد عليها بعد إصابتها بالمرض، حيث التزمت البيت مع طفيليها طريحة الفراش ووحيدة لا أحد يدق بابها وزوجها يعمل في القطاع العسكري ويغيب عن البيت لأوقات طويلة.”

وكان الجميع يكتفي بالتواصل معها عبرى الهاتف، بينما هي بأمس الحاجة لمن يقدم لها المساعدة ولولديها.

وأضافت “يوسف” أن عمر ابنها لا يتجاوز 5 سنوات، وكان وأخته لا يتوقفان عن الشكوى من الجوع، وهي عاجزة عن الوقوف على قدميها، فأصبح ابنها يستخدم الكرسي ليعد سندويشات الزعتر له ولأخته الصغيرة.

دون تشخيص

وإذا كان أصحاب هذه الحالات تم تشخيص إصابتهم وخضعوا للعلاج المعتمد، فهنالك الكثير من الحالات التي لم تشخص ولم يكتشف أصحابها أن ما يعانون منه هو بسبب كورونا.

وقالت ليلي أحمد (50 عاماً) وهي ربة منزل وأم لأربعة أبناء، إنهم لم يكتشفوا أن ما تعرضوا له هو كورونا إلا مؤخراً، فهي تسكن في الساحل حيث أعباء العمل كثيرة تتوزع بين الأرض والمنزل.”

وأضافت “أحمد” لنورث برس، أنهم أصيبوا بحالة وهن شديدة جعلتهم يلازمون الفراش لوقت طويل من اليوم، وأن الأمر حسم بإصابتهم في كورونا، عندما اكتشفت أنها فاقدة لحاسة الشم، وعلمت بذلك بعدما تسرب المازوت من المدفأة وملأ الأرض دون أن تشم رائحته.

وعن المشاعر النفسية التي ترافق المصاب بكورونا، قال الناجي من المرض أيهم علي (40 عاماً) وهو موظف حكومي في القطاع العام، إن مشاعر الشخص تختلف بحسب وضعه الاجتماعي وسنّه.

وأشار إلى أن “خوف الأعزب الذي لا يشارك أحداً بمسكنه، حتماً أقل من خوف المتزوج الذي سيخشى على أسرته، وأقل بكثير من خوف المخالط بشكل يومي لوالديه، خاصة إن كانا كباراً في السن ومن أصحاب الأمراض.”

وأضاف “علي” أنه تسبب بإصابة والديه، ونقل الفيروس إليهما دون أن يعلم أنه كان مصاباً، لأن أعراض المرض ظهرت متأخرة عنده.

وشفي “علي” من الأعراض القاسية كما يقول خلال أيام قليلة، لكن والده تأزم وضعه الصحي، وتم نقله إلى المشفى وبقي في قسم العزل تسعة أيام احتاج خلالها إلى كمية كبيرة من الأدوية وإلى أوكسجين بشكل متواصل، ووالدته قاست في المنزل أياماً عصيبة.

وأعرب أيهم علي في حديث لنورث برس عن مشاعر الخوف، وعن الشعور بالذنب الذي لم يقترفه عن قصد لكنه كاد يودي بحياة أهم الأشخاص في حياته.

خوف لدرجة الاكتئاب

شدد أحمد علي وهو اسم مستعار لطبيب نفسي، على أن حالة العزل التي تفرض على المريض ترفع نسبة الخوف الذي يتعرض له، بشكل قد يتطور إلى حالة اكتئاب.

ولذلك يحتاج المريض إلى الدعم النفسي وبث التفاؤل والطمأنينة، لأنه كلما تم تقديم الرعاية النفسية كانت النتائج الصحية والنفسية أفضل بكثير، فالقلق والخوف والإحباط تضعف الجهاز المناعي بنسبة تصل إلى 70%، بحسب الطبيب.

إعداد: ريتا علي ـ تحرير: معاذ الحمد