في اليوم العالمي للتراث.. “خانات دمشق” ماذا حلَّ بها اليوم؟
دمشق – نورث برس
قال مصادر من المديريَّة العامة للآثار والمتاحف، إنَّ خانات دمشق تضررت كثيراَ خلال السنوات الماضية، وسط عدم امتلاك المديريَّة لأي مشروع لإعادة إحيائها بعد عقد من الحرب والأزمات التي تشهدها البلاد.
وعُرفت دمشق تاريخياً بكثرة الخانات المتواجدة فيها، ذلك أنّ موقعها على طريق التجارة العالمية بين الشرق والغرب جعلها مَقصداً لتجار وزائرين من كل مكان.
ويصادف اليوم الثامن عشر من نيسان/أبريل يوم التراث العالمي، وهو يوم تحتفل به العديد من دول العالم بعد تحديده من قبل المجلس الدولي للمباني والمواقع الأثرية الـ (ICOMOS).
وترعى منظمة اليونسكو ومنظمة التراث العالمي الاحتفاء باليوم العالمي لحماية التراث الإنساني، بحسب الاتفاقية التي أقرها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة في باريس في عام 1972.
تراث وتاريخ
وتنتشر الخانات في أحياء دمشق القديمة وعلى طرق السفر المؤدية إليها، ويعود تاريخ إنشاء بعضها إلى العام 720 للميلاد.
وتذكر مصادر تاريخيَّة أنَّ تلك الخانات برزت بعد الفتح الإسلامي لدمشق، وأيَّام الدولة الأمويَّة، وتعددت أغراضها في المرحلة الأولى كأبنية للاجتماع والمبيت وتخزين البضائع.

وقال مصدر من المتحف الإسلامي في دمشق، في تصريح لنورث برس، أنّ جُلّ ما بني في دمشق من هذه الخانات يعود إلى العهد العثماني.
وأضاف: “من هذه الخانات ما حمل اسم بانيها كخان أسعد باشا العظم في سوق البزوريَّة، وخان سليمان باشا في سوق مدحت باشا، ومنها ما كان يمثل فئة من الجند فنسب إلى تلك الفئة كخان اللاوند وخان الدلاتية.”
وذكر أنّ دورها الاقتصادي، سابقاً، انحصر في التجارة، إذ كانت ملتقى للتجار ومكاناً لتخزين البضائع.
واعتبر مؤرخون أنَّ تحوُل طرق التجارة إلى عرض البحر، مع ظهور السفن التي تسير بالبخار، مثلَّ تحدَّي للخانات لم تستطع مواجهته، لتأتي السيارات التي تعمل بالوقود، وتبدل خارطة الطرق التجارية وتخرج الخانات من دورها التاريخي.
عمارة إسلامية
وقال محمد سعد، وهو اسم مستعار لمهندس معماري يعمل لدى مديرية الأثار والمتاحف، إن الخانات بنيت على الطرق العامة خارج سور دمشق وداخله وفقاً للعمارة الاسلامية.
ويتكون الخان كنمط عمراني، من طابقين أو ثلاثة، السفلي للبضائع وحظائر للدواب، والطابق الثاني للمسافرين والتجار كالفنادق حاليَّاً.
وقال “سعد” إنّ “تصميم خان المدينة، بشكل عام، لم يتغيّر على مرّ العصور. فأخذ تخطيط صحن مركزي مكشوف يتوسّطه حوض. وتحيط بالصّحن بوائك أُقيمت الدكاكين تحتها، لتبقى أبوابها محميّةً من الحرّ صيفاً ومن المطر شتاءً.
وقد يحمل الخان اسم الحرفة أو الصنعة التي تُمارس به، كخان الزيت وخان الجمرك، وخان الجوار الذي كانت تٌجلب إليه الجواري من الرقيق، ومنها ما كان يضم مُلحقاً لبنات الهوى، وتحديداً في العصر العثماني، بحسب المهندس معماري.
مُهملة ومقفلة!
وأدى عقد من الحرب في سوريا إلى محو وتدمير ونهب وتصدع مئات المواقع الأثرية، بحسب تقارير محلية ودولية.
وتعرضت خمسة من مواقع مسجلة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي لأضرار بليغة أبرزها قلعة الحصن في حمص وأحياء حلب القديمة.

كما وتعرضت عشرات المواقع الأثرية، ولا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل الموالية لتركيا، لنهب وتجريف وقصف ممنهج كما في موقعي النبي هوري وعين دارا الأثريين في عفرين .
أما في العاصمة فإن إهمال الرعاية على مدى عقود كان السبب في تلاشي معالم تراثية من بينها هذه الخانات.
واليوم، خانات دمشق إما مُهملة ومقفلة، أو تستخدم من تجار أسواق دمشق القديمة كمستودعات لبضائعهم، ما شوه شكلها المعماري عبر إدخال بعض التعديلات عليها، وإشغال باحاتها الداخلية ومداخلها بنشاطات تجاريَّة كثيفة، أدت إلى احتراق بعضها، كما حصل لخان الصواف في سوق البزوريَّة نهاية العام الماضي.
وجميع الخانات المتبقية اليوم في العاصمة مُسجلة في القوائم الأثريَّة، لكنها تتعرض “لتعديات وسرقة أقسام منها بسبب التقصير والإهمال من الجهة المشرفة عليها”، على حد قول المتحف الإسلامي في دمشق والذي طلب عدم نشر اسمه.
ولم يبق من كلّ تلك الخانات إلاّ عددً قليلاً لا يتجاوز ست خانات؛ اقتصرت خدماتها على استعمال مستودعاتها ودكاكينها من قبل مستأجرين لا تجمعهم إلاّ نادراً تجارة مشتركة أو مِهَنٌ واحدة، وربّما سكنت غرفه عائلات فقيرة.
والخانات الدمشقية المُتبقيّة من الحقبتين المملوكية والعثمانية هي الجمقمق والزيت والدكة التي تقع على امتداد سوق الحميدية، والمستخدمة من قِبل تجار دمشق كمستودعات لبضائعهم، والسفرجلاني في حي القيمريَّة المُغلق، وسليمان باشا الذي يخضع للترميم حاليَّاً.
لكن خان أسعد باشا هو الوحيد الذي ما زال محافظاً على طرازه المعماري وعمارته الاسلاميَّة.