القامشلي – نورث برس
قال جوان سلو وهو روائي وقاص، الجمعة، “ولدت ثورة سلمية ضد الظلم، وتم وأدها بالسلاح والدم.”
وجوان سلو، من القامشلي ولد في العام 1982، كبر ضمن أسرة عجنتْ الحياة بأكف مِلؤُها الأخاديد، نشأ في المدينة.
عمل مدرسا للغة العربية وترك مهنة التدريس كي يتفرّغ للكتابة، والقراءة.
كتب مجموعات من القصة منها “صباح بلون الذكريات، حفنة من تراب شنكال”، والقصة القصيرة جداً “سحابة عطر”. وله روايتان “تكيوشين، سيرة طريق.”
ولعب دوراً في مسرحية “أبواب” التي قدمت في مهرجان القامشلي المسرحي.
وقال “سلو” لنورث برس: “للمسرح عناصر وحضورا خاصة به، ينفرد بها عما سواه من أنواع الفن، لذلك من الصعب على أي أديب أن يدخل هذا المجال.”
وأضاف: “إلا إذا كان عالما بخفايا المسرح وبعالمه الكبير، ملمّا بعناصره، يعقد حول أصابعه خيوط العمل المسرحي وينسج منها مادته كي يغزو هذا العالم بكل ما أوتي من قوة.”
وكانت تجربة الروائي الأولى في المسرح ضمن كادر مسرحي لعرض مسرحية الأبواب، للكاتب نظار نظاريان، من إعداد وإخراج الأستاذ عبد الجابر حبيب، “ومن يومها آمل أن أدخل هذا العالم وأتعرف إليه.”
وشدد على أن “فكرة كتابة النصوص المسرحية تدور في فلكي وستجد يوما ما طريقها للنور.”
“سيرة طريق”
وعن عنوان روايته، قال: “رواية سيرة طريق، وهي رواية من أدب الواقع، أحاول أن أوثّق من خلالها حياة أربعة شبان انخرطوا في حرب كبيرة لتحرير الجزيرة السورية.” ويقصد (شمال شرقي سوريا).
ويسعى الشبان في الرواية إلى “تحرير الجزيرة من عصابات دولة الخلافة (داعش) المسلحة المتطرفة.”
وقال: “اختياري لهذا العنوان لم يأت اعتباطاً، بل جاء ليسرد سيرة هؤلاء الشبان الأربعة على طريق الحرية.”
وكتب الرواية في فترة زمنية “تعد من أصعب الفترات التي مرت على الشمال السوري، وهي فترة الحرب على الجماعات المتطرفة التي هجمت على المنطقة.”
واستباحت تلك الجماعات دم البشر، وعاثت في الأرض فساداً. فانخرط الشباب الأربعة مباشرة في الحرب. “ومن هذه النقطة بدأت الرواية، أي لحظة المعركة.”
حرب لم تنته
وعن “الثورة” والحرب في الرواية، قال: “حقيقة أردت أن أبرز في مقدمة الرواية أن الحرب لم تنتهِ بعد في سوريا، بل ما زالت مستمرة، فآثارها السلبية يعيشها المواطن الفقير المسالم بكل تجلياتها.”
وأضاف: “الثورة التي طالب بها ولدت ثورة سلمية ضد الظلم، وتم وأدها بالسلاح والدم، حين تحولت إلى ثورة مسلحة.”
وكانت الرواية كردّة فعل لما يقوم به “طرفا النزاع (النظام والمعارضة المسلحة) من مجازر واعتقالات، حيث باتت سوريا ساحة دولية للصراعات الإقليمية للمنطقة، لذلك فالشعب هو الذي دفع ضريبة صموده وصبره ومعاناته من دمه ودم أولاده ومن رزقه.”
وأضاف الكاتب: “آثار هذه الحرب باقية حتى أمد طويل من الزمن، ولم يتغير تصنيفي لها منذ ذلك الحين وقبلها طبعا، فالشعب الكردي السوري عانى الكثير من الاضطهاد والنكران.”
وأشار إلى أن الشعب الكردي “نأى بنفسه عن هذه الحرب الطائفية، ولكن أطراف الحرب لم يتركوه ليعيش حياته بسلام، فتذرّعت المعارضة بأعذار واهية محاولة الالتفاف حول الجماعات الإسلامية المتطرفة واحتضانها”، حسب “سلو”.
وعن رؤيته للوضع في سوريا، قال: “الحقيقة عندي واحدة لم تتغير، هي إيماني بأن سوريا للجميع، وأن السلام قادم، وأن الأرض لن تتحرر من الظلم والظلام إلا بدماء أبنائها العاشقين لأرضهم وتاريخهم، أملاً بمستقبل أفضل.”
وقال إن “التاريخ يسرد حياة الشعوب، والرواية تسرد كيفما كانت حياة الشعوب في زمنٍ ما، ومن هذا المنطلق أردت توثيق ما يعيشه المواطن المسالم الذي حمل دمه على كفه.”
وأشار إلى أنه من مشاهدة ما يعيشه المواطن المسالم، “قررت مقابلة عدد من هؤلاء المقاتلين في ثكناتهم، علّي أقدر على توثيق آلامهم ومعاناتهم.”
وأضاف أن هؤلاء “يسردون لي ما يعانونه من فقدٍ أو رحيل، فأرواحهم متخمة بالألم، وأجسادهم مثخنة بالجراح، وذاكرتهم امتلأت بالأحداث، لذلك كان لا بد لي أن أزورهم.”
وأشار إلى أنه يحاول رفع “المعاناة عن كاهلهم ما تجيش في أنفسهم من ذكريات أليمة عصفت بهم حدّ الوجع، وكان أول من التقيت به هو فاروق، قائد الفوج العسكري.”
وأضاف أنه من خلاله “تعرفت إلى عكيد وفرهاد وريبر، كل واحد منهم كألفٍ آخرين من المقاتلين، تتشابه قصصهم وتتمايز عن بعضها بالتفاصيل.”
فصول الرواية
وعن تركيب ومعمار الرواية قال: “تنقسم روايتي إلى خمسة فصول، في الفصل الأول أسرد فيها رحلتي إلى الفوج العسكري للالتقاء مع المقاتلين، دون أن أحدد مع من سأتحدث.”
وجاءت رحلة الكاتب فجائية نوعا ما بالنسبة له، مجهولة المعالم والشخصيات، “كان همي الأول فيها أن أراهم، أحدثهم، أعيش الأمل معهم.”
وشدد على أنه وجد أن “الوجع والفراق يعشش في ثنايا أرواحهم الطاهرة، هناك عرفت قيمة الحياة، وأيقنت أن التضحية بالذات أعلى درجات العطاء، لأنه عطاء بلا مقابل، عطاء سخي من أناس كرماء، لا يخافون الموت في سبيل الوطن.”
وأشار الروائي، إلى أن “عكيد يبدأ بسرد حكايته على لسانه ليتحدث لي عن الجبهة التي حارب فيها وما لقي من صعوبات، ومن ثم فاروق، ثم فرهاد وآخرهم ريبر.”
وأضاف أن هذه “الشخصيات الساردة في الرواية والمشتركة في فوج عسكري واحد يتحدث كل واحد منهم عن الجبهة التي قاتل فيها، وبذلك جمعت الرواية أغلب المناطق التي دارت فيها الأحداث.”
ونقلت الرواية “أخبار مقاتلين آخرين استشهدوا أو أُسروا أو أصيبوا في هذه الحرب البشعة، وفي نهاية الرواية أعود إلى عالمي المدني، أحتفظ بذكرياتهم وقصص حياة أولئك المقاتلين.”
وعن التضحية قال: “أعظم درجات العطاء هو التضحية بالذات في سبيل الوطن، لأنه عطاء بلا مقابل، وحدها الحرية هي الثمن الحقيقي التي تستحقه هذه التضحية.”
وأشار إلى أن “داعش” هو الوجه المظلم للحقيقة، للحياة، للحرية، للأمل، “داعش” هو العالم الموازي للنور، إنه الفكر الظلامي الذي يعيث في الأرض فساداً.
وشدد على أنه كروائي في “موضع المسؤولية التاريخية كي أشير إلى هذه الظاهرة الظلامية المستبدة دينيا وأخلاقيا، والتي استعبدت البشر وهدمت الحجر وألبست الحياة ثوب الخطيئة، وكإنسان أجد نفسي مقاتلا على جبهات القتال.”
وعن تحرير الإنسان السوري، قال: إن “سوريا للجميع، هذا شعاري الأول والوحيد، وروج آفا شمال شرقي سوريا، هو جزء من سوريا الطبيعية، والتي أجد نفسي فيها مواطنا من الدرجة الأولى.”
وعن الصراع في الرواية، قال: “جاء بناء الصراع الروائي في الرواية من جانب واحد أمر مقصود، لأن الأرض التي حدثت عليها الأحداث الدامية هي أرض الجزيرة السورية.”
ويأتي دور الرواية “كي تسلط الضوء على المقاتلين من أبناء المنطقة في الدفاع عن أرضهم وعرضهم، كطرف مدافع لا مهاجم كالجماعات المسلحة المهاجمة والمخربة.”
ومن جهة أخرى “حملت الرواية صراعاً نفسياً عاشه كل أبطال الرواية ألا وهو صراع الوجود ونكران الذات، لذلك اعتمدت على البوح المنولوجي في رصد هذا الصراع في أنفس المقاتلين وشخصيات الرواية.”
وأشار إلى أن” المكان هو سيد الرواية، لأنه الفضاء الذي تجري فيه الأحداث، أكان فضاء مغلقا كالمنزل، أو مفتوحا كالمدن والمناطق، ولأنه أيضا هو ساحة المعركة التي جمعت كل خيوط الرواية.”
جهد مضاعف
وعن القصة القصيرة والقصيرة جدا، قال: “وجدت فيها عالماً غنياً من الأفكار التي تتطلب جهدا مضاعفا وتكثيفا لغويا وبيانيا كي أقدر على وصف ما يحدث أو تفسير ما لا يمكن تفسيره من أفكار.”
وأضاف أنه يغوص في بحر القصة “حتى رأيت أن الرواية لا تختلف كثيرا عن القصة إلا أنها أكبر همّا وأعمق تأثيرا وتحتاج إلى جهد مضاعف.”
والقصة القصيرة جداً هي عبارة عن عدد غير قليل من القصص المترابطة والمتجانسة والمداخلة، وهذا ما دفعني أن أكتب الرواية حبّا في الخوض في غمارها وإمعانا فيها.
وعن المكان، قال إن “المكان جوهر الرواية والقصص التي أكتبها، فهو الفضاء الذي تجري فيها الأحداث، لأنه ببساطة عنصر العمل الأدبي.”
وأشار الروائي إلى أن المكان في روايته كان “ساحة الحرب التي استشهد لأجلها آلاف المقاتلين في سبيل تحريرها وحمايتها، وعلى ترابها سالت الدماء، ولأنها الشيء الثابت الذي لا يتحرك، فها هي كوباني.”
ووصفها الروائي والقاص جوان سلو بأنها “رمز المقاومة ضد داعش. سقطت داعش ولم تسقط كوباني، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا.”