مختصون في السياسة والتاريخ: انتهاكات تركيا في الشمال السوري استمرار لمطامع قديمة

دمشق ـ نورث برس

يقول مختصون في الشؤون السياسية والتاريخ في العاصمة دمشق إن مطامع تركيا في الشمال السوري “ليست جديدة”، وإنها تعمل منذ زمن على توسيع حدودها ضمن الأراضي السورية وضم مناطق إلى لواء إسكندرون الذي ضمته لأراضيها في ثلاثينات القرن الماضي.

ومنذ بداية الحرب السورية عام 2011، تسعى تركيا لتثبيت وجودها في سوريا عن طريق نقاطها العسكرية أو موالين لها من الفصائل المسلحة التابعة للمعارضة السورية، لتبدأ بعدها باتخاذ إجراءات تتريك فعلية للمناطق التي سيطرت عليها كما في عفرين.

تفريغ مناطق

وقال سامي عبدالله (40 عاماً)، وهو اسم مستعار لصحفي مختص في الشؤون السياسية والدولية يقيم في دمشق،إن التدخل العسكري المباشر لتركيا في عفرين والباب وإدلب، ومؤخراً في سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض، “لا يهدف فقط للسيطرة كما في كل الحروب.”

ولكن تركيا تهدف من خلال التدخل العسكري إلى تفريغ المنطقة من سكانها، “إذ عملت بعد سيطرتها بزمن قصير على عفرين بمؤازرة فصائل مسلحة، على استبدال أهالي عفرين بسكان جدد من نازحي الغوطة الشرقية.”

وفي الثامن عشر من آذار/ مارس 2018، سيطرت تركيا وفصائل مسلحة موالية لها على منطقة عفرين.

وتزامنت السيطرة التركية على عفرين مع المصالحات التي أجرتها الحكومة السورية وبوساطة روسية في الغوطة الشرقية، إذ تم ترحيل الذين رفضوا المصالحة، لتكون وجهتهم النهائية عفرين بعد إدلب.

وقال “عبدالله” إن “الفصائل المسلحة المرتهنة لتركيا والتي سيطرت على المدن الحدودية بدعم من الأخيرة، تنفذ كل السياسات التي تمليها عليها أنقرة.”

إجراءات تتريك

وأضاف المختص في الشؤون السياسية أن تركيا بدأت منذ سنوات خطوات حقيقية على الأرض لتحويل طابع تلك المناطق إلى الوجه التركي.

وأشار إلى أن أبرز تلك الخطوات، هو فرض التعامل بالعملة التركية في مناطق شمال غربي سوريا، ومقابل ذلك تم إصدار قرار بمنع التعامل بالعملة الورقية للحكومة السورية من فئة خمسة آلاف ليرة، وكان سبقه قرار منع التداول بفئة الألفي ليرة.

كما تم رفع العلم التركي ووضعت صور لأردوغان في المؤسسات التي تدير تلك المناطق، كما تم تغيير أسماء الشوارع  كاستبدال بلدة الراعي باسم “جوبان باي” بعد افتتاح مشروع الاتصالات في تلك البلدة.

وآخر تلك السياسة وليس آخرها، افتتاح مسؤولين أتراك الجمعة الفائت، تجمعاً سكانياً في مدينة جرابلس بريف حلب الشرقي، ورفع العلم التركي داخل الأراضي السورية، مع غياب واضح لعلم المعارضة.

والإجراء الأبرز الذي طبقته تركيا ويصنف في قائمة سياسة التتريك، هو التعليم الذي استلمته في مناطق الشمال من المدارس إلى الجامعات، خاصة مع قرارها افتتاح جامعة ومعهد عالٍ في ريف حلب.

ورأى علي مرعي، وهو اسم مستعار لأستاذ جامعي في قسم التاريخ في جامعة اللاذقية، في حديث لنورث برس، أن هذه الإجراءات تشكل “خرقاً فاضحاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وحرفاً لجيل كامل.”

وفي عام 2016، بدأت تركيا تغير النظام الدراسي في المناطق التي سيطرت عليها تركيا في شمال غربي سوريا، حيث أصبح البرنامج تابعاً للمدراس والمؤسسات التعليمية التركية.

وكانت إحدى شروط تجديد عقود المدرسين السوريين إجادتهم للغة التركية، لأنها صارت مادة أساسية في منهاج التعليم في مناطق السيطرة التركية.

وفي شهر شباط/ فبراير الفائت، وقع الرئيس التركي قراراً بإحداث كلية للطب ومعهد عالٍ للعلوم الصحية في بلدة الراعي بريف حلب.

ورغم أنه ليس الأول من نوعه، استدعى القرار التركي رداً من الحكومة السورية على إعلان الرئيس التركي أنه سيحدث فرعاً جامعياً شمال سوريا، وكأن مناطق سيطرة الجيش التركي هي جزء من تركيا، بحسب دكتور التاريخ.

وقال دارم الطباع وزير التربية في الحكومة السورية، حينها، إن الوزارة تتواصل مع المنظمات الدولية ضد الحملة التركية شمال سوريا التي تمنع الطلاب من الدخول إلى المدارس التي تدرس المنهاج السوري.

وشدد “الطباع” على أن “المنظمات التي تعمل في هذا الموضوع تقف إلى جانب الدولة السورية، وهي ليست مع تسييس العمل التربوي.”

حلم مستمر

ورأى عمار غنوم (50 عاماً)، وهو اسم مستعار لدبلوماسي سابق مثّل سوريا في أكثر من دولة، أن “الحلم التركي في ضم أراضي جديدة من سوريا لم يتوقف.”

وقال “غنوم”، لنورث برس، إن تركيا “تسعى إلى تحقيق ذلك من خلال تقديم الدعم لجماعات مسلحة، بقصد تفريغ المنطقة الشمالية من سوريا من سكانها، وبشكل أكبر من الكرد.”

وأشار إلى أن الأهداف من ذلك “ليست فقط الأطماع التوسعية لدى الأتراك، وإنما تحطيم ما تعتقد تركيا أنه الحلم الكردي بإقامة دولة كردية على حدودها، وما تعتبره خطراً عليها بسبب وجود ما يزيد على ٢٠ مليون كردي في تركيا.”

وقال الدبلوماسي السابق، إن “تركيا تستفيد في تحقيق سياساتها التوسعية من المجموعات الإرهابية التي دخلت إلى سوريا عن طريق مطاراتها وموانئها، وهي تمتلك ورقة قوية ضد أوروبا لامتلاكها أرشيفاً دقيقاً لأعداد وجنسيات الإرهابيين الذين غادروا من سوريا إلى أوروبا عبر أراضيها.”

كما تستغل موضوع اللاجئين لتهدد به أوروبا بفتح الطريق لهم للاتجاه إلى أراضي الأخيرة.

وأشار إلى أن تركيا “تريد خلق واقع شبيه بما قبل سلخ لواء اسكندرون، لتستفيد من وضع دولي يسمح لها بسلخ هذه المناطق، وضمها تحت عنوان إرادة العيش تحت سلطة الدولة التركية.”

ورأى “غنوم” أن ما يساعد في تعزيز هذا الشعور “هو معاناة  سكان سوريا والصعوبات الحياتية نتيجة الحرب والعقوبات والحصار.”

وقال إنه قد تستفيد تركيا أيضاً في ذلك “من مراعاتها لمصالح روسيا في سوريا، بمعنى أن تغض كل من روسيا وإيران النظر عن سياسة تركيا هذه مقابل مصالحهما في مناطق أخرى في سوريا.”

وفي عودة تاريخية للسياسات التركية، قال الدبلوماسي إن “السلطنة العثمانية تابعت سياستها في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في تطهير بعض الأقليات في الشمال السوري.”

وأشار إلى أنها عملت خلال ٣٠ عاماً  (١٨٩٤-١٩٢٤) على “تصفية ما يقارب مليوناً ونصف المليون أرمني و٧٥٠ ألف سرياني، وكانت ذروة جرائمها في ما عرف بجرائم السيفو عام ١٩١٥.”

وأدت المجازر العثمانية إلى هجرة ما تبقى من السريان والأرمن والأقليات الأخرى، “لتهيئ تركيا لنفسها ضم مناطق واسعة من سوريا على طول الحدود، ولتستفيد في وقت لاحق من موازين القوى التي سبقت الحرب العالمية الثانية وتضم هذه المناطق.”

إعداد: ريتا علي ـ تحرير: معاذ الحمد