أحياء دمشق واقعٌ متفاوت وخدماتٌ للمتنفذين والمسؤولين

دمشق – نورث برس

تشهد أحياء في العاصمة دمشق واقعاً متفاوتاً في الأوضاع الاقتصادية والخدمات، إذ تعيش بعض الأحياء التي يكثر فيها المتنفذين والمسؤولين حياة بعيدة كل البعد عن الواقع على حساب أحياء  أخرى تفتقد لأقصى مقومات البقاء.

وتتعدى رفاهية أحياء “ذائعة الصيت” مثل، المالكي وأبو رمانة والمهاجرين والشعلان ومشروع دمر، الحالة المادية والاجتماعية لتشمل نواحي خدمية من ماء وكهرباء وغيرها، وتتفاوت بشكل كبير مع غيرها من الأحياء شبه معدومة الخدمات.

وبحسب سكان في أحياء تعاني من تقنين حاد في الكهرباء فإن هناك أحياء لا تعرف  معنى كلمة تقنين إلا في حالات نادرة الحدوث.

ثروات وامتيازات

وقالت نجوى معروف (٣٢عاماً)، وهو اسم مستعار لربة منزل وأم لطفلين تسكن في حي الكباس، لنورث برس، إنها اندهشت  لدى زيارتها الأولى لحي المالكي بقصد العمل.

وبعد وفاة زوجها وبسبب الظروف المعيشية السيئة والغلاء الشديد اضطرت “معروف” لترك طفليها لدى جدتهم، والعمل كمدبرة منزل لأحد كبار المسؤولين الأمنيين في حي المالكي.

وقالت: “أحسست أني انتقلت إلى دولة أخرى. لا يمكنني أن أتخيل الصدمة التي انتابتني عندما بدأت العيش معهم في نفس البيت.”

وأضافت: “لا أتذكر أن الكهرباء انقطعت ليوم كامل أبداً. لم أستطع تصديق وجود أناس في مدينتي يستطيعون الاستحمام في أي وقت أو تشغيل التلفاز متى ما أرادوا .”

وفي منزلها في حي الكباس تأتي الكهرباء  كل ست ساعات ساعةً واحدة، والمياه لا تأتي إلا في الليل، وفق ما ذكرت.

كما يغيب التنسيق بين ساعات الكهرباء وموعد ضخ المياه للحارات في بعض أحياء، ما يضطر  سكان تلك الأحياء لشراء المياه عبر الصهاريج وتكلفهم تكاليف إضافية.

وبحسب سكان فإن التفاوت بين الأحياء يظهر من حيث التركيز الكبير للثروات والامتيازات في أيدي القلة المتماهين مع السلطة، على حساب معاناة بقية السوريين وإذلالهم.

تدهور خدمي

وتدهور الوضع الخدمي، أمر متوقع في بلد مازال يعاني لأكثر من عشرة سنوات من الحرب، لكن الفروقات الشديدة بين أحياء متجاورة في المدينة نفسها يطرح العديد من التساؤلات حول قدرة الحكومة الفعلية على تلبية احتياجات السكان.

وترسم الشوارع النظيفة والحدائق العامة بأشجارها المقلمة وعشبها المشذب في الأحياء “المرفهة” بحسب سكان، صورة متناقضة تماماً للأبنية شبه المهدمة في حي المليحة في العاصمة ذاتها.

ويجد سعيد سلوم (٥٥ عاماً)، وهو عامل نظافة في حي أبو رمانة أكياساً من القمامة مليئة بالخضار والفواكه مرمية في حاوية أمام منزل أحد كبار المتنفذين في الحي، “في حالة أفضل من تلك التي يشتريها من السوق الموجود في حيّه.”

وأضاف “سلوم” وهو يقيم في حي دويلعة: “آليات النظافة تمر مرتين في اليوم في أبو رمانة لتقوم بترحيل القمامة إلى المكبات.”

لكن في مكان عمله السابق في حي التضامن “كانت تتراكم القمامة في الحاويات وحولها حتى توشك أكياس القمامة على إغلاق مدخل الشارع”، بحسب “سلوم”.

وأكثر ما لفت نظر “سلوم” كان التدقيق الشديد الذي تبديه الحواجز الأمنية على مدخل الحي، “في يوم عملي الأول لم يسمحوا لي بالدخول بحجة أن ثيابي دون المستوى، وأرغمت على شراء بدلة جديدة ملائمة.”

كما صار من الواجب على عامل النظافة، إرجاع عربة القمامة، التي يعمل عليها، كل يوم إلى الحي الذي يقيم فيه، “بحجة أن تركها قرب الحاجز يضر بمظهر الحي.”

فروقات معيشية

ويتوجه سكان الأحياء “الراقية” إلى شراء الخضراوات من “سوق التنابل” الذي يقع في حي الشعلان، بينما يضطر سكان أحياء أخرى لشراء بقايا الخضراوات من الأسواق بسبب الوضع المعيشي السيئ الذي تشهده أغلب العائلات في العاصمة دمشق.

وتحدث سومر عبد اللطيف (٤٨ عاماً)، وهو عامل في أحد محلات بيع الفواكه والخضراوات المعدّة للاستهلاك الفوري، لنورث برس، عن الإقبال الشديد من زوجات المسؤولين والتجار على شراء الكوسا المحفورة والملوخية المفرومة والثوم المقشر رغم سعرها المرتفع.

وأضاف: “هناك إهمال واضح من قبل الحكومة في ضبط ومراقبة الأسعار في السوق وذلك مقابل رشاوى صريحة تجمعها اللجنة التموينية بشكل دوري كإتاوة.”

وأكثر ما أثار دهشة “عبد اللطيف”، هو أن سكان تلك الأحياء لا تعنيهم الأسعار غير المنطقية رغم عدم تناسبها مع الخدمة المقدمة.

وقال: “صراحة لا أتخيل نفسي مهما بلغ بي الغنى، أن ألجأ لدفع مبلغ 15000 ليرة، من أجل كيلو من البامية المقمعة.”

إعداد: رغد العيسى – تحرير: محمد القاضي