القامشلي ودمشق.. بنادق هادئة وألسنة مشتعلة

الرقة – حسان بهاء الدين – NPA
"تواصل الميليشيات الإرهابية الانفصالية التي تسمى (قسد) ممارساتها الإرهابية والإجرامية والقمعيّة بحق أبناء الشعب السوري.. في تناغمٌ مشؤومٌ للمشاريع التي تنفذها بعض الدول العميلة للولايات المتحدة وترسمها سلطات الاحتلال الإسرائيلي". هذا فقرةٌ مقطضبةٌ من الرسالة التي وجههتها وزارة الخارجية والمغتربين التابعة للحكومة السورية, يوم الأحد 15 أيلول/سبتمبر, إلى كلٍ من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن, تشتكي من ما وصفتها بـ "الممارسات القمعيّة" لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" بحق أبناء الشعب السوري.
ووصفت الوزارة "قسد" بـ"الإرهابية" في تصعيدٍ كلاميٍ غير مسبوقٍ تُجاه القوات التي تسيطر حالياً على ما يقارب الـ /30/ % من مساحة الأراضي السورية.
تشكّلت قوات سوريا الديمقراطية نهاية عام 2015، وأشارت حينها أنّ محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مهمتها الأساسية. هذه القوات استطاعت انتزاع السيطرة على العديد من المناطق من التنظيم "المتشدّد" مدعومةً من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية, لمحاربة تنظيم "الدولة"، وأعلنت في آذار/مارس من عام 2019 السيطرة على بلدة الباغوز آخر معقلٍ للتنظيم في شرقي الفرات.
ناجي عبيد مسؤول المكتب الإعلامي في مجلس الشعب التابع للحكومة السورية تحدّث لـ" نورث برس" من دمشق, مكرراً وصف "قسد" بالإرهابية قائلاً "التجنيد الإجباري غير شرعي, سرقة ممتلكات المواطنين وفرض مناهج دراسية غير المناهج السورية الشرعية كلها ممارسات مدانة وتُوحي بالنزعات الإنفصالية لهذه الميلشيات".
وتقوم الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرقي سوريا بتدريس مناهج قامت بإعدادها وتسميها "الدراسة بحسب لغة الأم", حيث يدرس كل مكوّن من المكوّنات الموجودة ضمن المنطقة بحسب لغته الأم، إلى جانب فرضها "واجب الدفاع الذاتي", حيث يُجبر كل شاب يتراوح عمره ما بين الـ /18/ إلى /35/ سنة من مناطق شمال وشرق سوريا على تأدية ماتسميه دمشق "التجنيد الإجباري".
ورفض العبيد التعليق على جاهزية دمشق للحوار مع قوات سوريا الديمقراطية أو الحديث عن شروط دمشق للحوار, منهياً حديثه بتهديدٍ لقسد "كل شبرٍ سيعود إلى كنف الدولة السورية الشرعية رغم الدعم الأمريكي المستمر لهم".
وتحدّثت تقارير إعلاميةٌ عن عدة جلسات حوارية بين مجلس سوريا الديمقراطية (الذراع السياسي لقسد) والحكومة السورية, في العام المنصرم, إلّا أنّها تعثرت ولم تثمر أية نتائج حيث اتهمت "مسد" حكومة دمشق بـ"التعنت والتمسك بالذهنية القديمة".
ويتهمُ الكرد (ثاني أكبر قومية في البلاد من حيث تعداد السكان ويتركزون في مناطق شمال سوريا وتعرف القامشلي/ قامشلو كـ عاصمة معنوية لهم) الحكومة السورية بحرمانهم من حقوقهم الوطنية, كتجريد مايقارب /350/ ألف كردي من الهوية السورية, وذلك إثر الإحصاء السكاني في العام 1962، بالإضافة إلى منع الحركة السياسية الكردية من القيام بنشاطاتهم وتمثيلهم ضمن البرلمان السوري.
ولطالما اتسمت علاقة الإدارة الذاتية لشمال سوريا وحكومة دمشق بالـ"غامضة" حيث يتشارك الطرفان السيطرة على مدينتي القامشلي/ قامشلو والحسكة شمال شرقي البلاد, كذلك لم يبرزا كعدويين خلال سنوات الأزمة السورية. إلّا أنّ تلك العلاقة لم تتحول إلى صداقةٍ أيضاً, حيث وقعت اشتباكاتٌ لأكثر من مرة بين الطرفين وآخرها مقتل /14/ عنصراً من الدفاع الجوي التابع للحكومة السورية على يد قوى الأمن الداخلي التابع للإدارة الذاتية في القامشلي الصيف الماضي.
حكمت حبيب نائب رئيس الهيئة التنفيذية لمسد قال لـ"نورث برس" من القامشلي "بيان وزارة خارجية النظام, مُفبرك كما العادة وهو لايمت للحقيقة بصلة".
وحول توقيت إصدار البيان ذكر حبيب: "البيان هو تملقٌ لضامني آستانة على حساب السيادة الوطنية السورية, وكنا ننتظر من دمشق إصدار بياناتٍ تدين الاحتلال التركي لمناطق شمال سوريا والتغيير الديمغرافي الممنهج الذي تقوم به تركيا داخل الأراضي السورية".
وتسيطر تركيا حالياً على أكثر من /10/% من مساحة الأراضي السورية, وتتهمها منظمات حقوقية إقليمية ودولية بارتكاب "جرائم حربٍ" كـ"خطف مدنيين والاستيلاء على ممتلكاتهم", وآخرها تقرير لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة حول الوضع في سوريا.
وفي نهاية حديثه أوضح نائب رئيس الهيئة التنفيذية لمسد، أنّهم "منفتحون على الحوار لإيجاد حل للأزمة السورية, لكن يبدو أنه لا نية للنظام بقبول مشروعٍ ديمقراطيٍ, فهو يغرّد في سمفونية أخرى, ونكرر نحن متمسكون بالحوار كسبيلٍ للحل.. ونطالب دمشق بإعادة النظر في موقفها".
وتكرّر الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا أنّ مشروعها "وطني يهدف إلى ضمان حقوق كافة المكونات", بينما تخشى الحكومة السورية القبول بهذا المشروع وتسميه "بالانفصالي" كون قبوله سيغير الحكم المركزي المعمول به منذ عقود في سوريا.
ويرى مراقبون أن شكل العلاقة بين الإدارة الذاتية وحكومة دمشق مرهونٌ بالحلّ النهائي للأزمة السورية لاسيما في ظل وجود أطرافٍ دوليةٍ داعمةٍ لكل طرف منهما.